21‏/11‏/2017

لا أريد أن أموت قبل أن



بابلو بيكاسو (1903)، وجبة الرجل الأعمى
تمهيد لا يمهد إلى شيء
أنا قويٌّ كحشرة الشيطان، وأستطيع أن أكون جذابا برغم دمامتي.
ولأنني ضئيل جدا، لا أحد يسمع بكائي ولعناتي.
بل لا أحد يتأثر بما أصدره من أصوات ونهدات،
مهما كانت بليغة وموزونة ومؤثرة.
أنفق عمري الطويل أتحسس خشونة الجدران الباردة،
وربما لا أعي أن حياتي التافهة لا تتجاوز بضع كيلومترات أسافرها بتعب.
لكنني، كأي حشرة في هذا العالم، أبحث عن شيء ما.
أنا قويٌّ لأنني أستطيع الموت متى شئت.

استدراك 
ليس دائما. لا أستطيع أن أموت متى شئت.
لسوء حظي -أو لحسنه- أنني لا أموت إلا عندما يلمسني الآخرون.
أي عندما أخاف وأتقزز. أي عندما أشعر بالغثيان من لزوجة أنفاسهم.
أستلقي على ظهري.. أعطِّل كل حركاتي.. أتخشَّب.
يشعر الذين يدنون مني بخوفي الشديد فيشفقون علي.
لكنهم لا يعلمون بأنني أضحك عليهم من حيث لا يشعرون.
أنا قويٌّ لأنني أستطيع الضحك عندما يشعر الآخرون بالشفقة.

فهرست
البداية.
أنا.
أنتِ.
نحن.
أنا.
أنا.
أنا.
النهاية.

قصة قصيرة جدا
عندما كنت طفلا، كنت مولعا بحشرة الشيطان فحاولت أن أبني صداقة معها. قالت لي أمي إنها حشرة ذكية وتستطيع أن تمثِّل الموت عندما يلمس أحدهم ظهرها. فسألتها: وعندما ألمس بطنها هل ستموت؟ سكتت أمي.

تمام القصة
خرجت يملأني شغف البحث حتى عثرت عليها. تسير ببطء كمن هدَّت الشيخوخة مفاصله. تأملتها قليلا. لم تكن تتميز بشيء يجعلها تموت من شدة الخوف من الموت. وجدتها ميِّتة. لم أكن أعرف معنى الموت وقتها. كان الموت بالنسبة لي هو ألا تستطيع الأشياء أن تتكلم أو تتحرك. وضعت إصبعي على بطنها فتشبَّثت بي. أحسست بوخز سيقانها في كل جسدي.

بعض الحواشي
راقتني فكرة الموت عند الطلب!

أنتِ
أحببتك عندما كان الحب بالنسبة لي أشبه بإصبع رقيق يلمس ظهري بشهوة فأتلذذ حتى تتصلب عروقي وتنشدّ أحاسيسي وأتمزق ثم ألتئم لأحبك مرة أخرى. حبا شهوانيا ليس من شيم الله ولا الأنبياء ولا البشر العقلاء الصالحين.

نحنُ
ثم أحببتك وأحببتِني وقررنا أن نرتبط. لم يكن أيٌّ منا يحب أن يكون منعقدا بالآخر بدون مسافة من الحرية والطيش. كان الحب في ذلك الوقت يتزامن مع اعتقادي بأن الجنس هو النافذة المسيَّجة بالورد واللعاب ورائحة العرق.. نافذة الخلود.

أنا
ثم أحببتك كما لم أفعل من قبل. أحببتك هذه المرة -أقصد الآن- بطريقة الشيوخ المنتظرين نهايتهم المحتومة. الذين ينامون فوق وصاياهم الأخيرة وتحت رسائل شبابهم الغبية. لا أتخيلك في كوب الكابتشينو ولا في ديوان شعر قديم.. بل أتمنَّاكِ فيهما. أريد أن أشربك، أقرأك، أكتبك، أدخنك.. أريد أن تقفي أمامي وتتحسسي كامل جسدي بكامل جسدك. هل وصلت فكرتي؟ أريد أن أشعر بوخزة تشبُّثك بي. لا أريد أن أموت وحيدا.

أنا
ثم الآن. يمرُّ السحاب المجعَّد من فوقي فلا أكترث.
يدق طائر الدوري مكيِّفي عند منتصف النهار فلا أجيب.
تجول الأسئلة ببالي،
تزعجني كنملة سامة اختبأت في أكمام قميصي وراحت تبلوني بأصناف الطفح والحكَّة.
أحاول أن أربت ظهري لأموت قليلا.
أجرب أن أخنق أنفاسي لأشعر بنعمة الحياة.
أنا لست كئيبا.. بل متوتِّر لأنني أنتظرك.

أنا
ماذا لو غيرنا قوانين اللغة قليلا لتصبح "أنا" ضميرا للمخاطب و "أنت" ضميرا للمتكلم؟

النهاية
لم أرد أن أموت قبل أن أكمل هذا النص.





يتم التشغيل بواسطة Blogger.