01‏/08‏/2015

النشر الإلكتروني (لماذا لا؟)



الصورة في الأعلى عميقة ومعبرة، إنها تخص موضوع كلامنا اليوم. في الصورة رمزية يمكن أن نفسرها كما نشاء، لكنها تكون أوضح عندما نفسرها انطلاقا من الاضطراب بين الكتاب الإلكتروني والكتاب الورقي، فكأن تطور الإلكترونيات لم ينسِ القراء كتبهم الورقية وشغفهم القديم. 
في استطلاع بسيط نشرته في الأيام الأخيرة، كان السؤال هو: أيهما تفضلون الكتاب الورقي أم الإلكتروني؟ ولكم أن تتصوروا النتائج. 100% من الذين شاركوا في الاستطلاع كانوا متمسكين بالكتاب الورقي، واختلفت مبرراتهم من المتمسك إلى المُعتاد إلى الذي لا يجد مانعا من قراءة الإلكتروني إن لم يتوفر له الورقي، بل بعضهم ذكر أن لملمس الكتاب ورائحته دور كبير في تفضيله للكتاب الورقي. 
كما قلت سابقا، لعل بدايتنا الثقافية التي كانت ورقية خالصة هي التي رسَّخت فينا حب هذا النوع من الكتب، وفي الحقيقة، الاستنتاج ليس بهذه السهولة، إذ يحتاج إلى دراسة نفسية اجتماعية، واستطلاعات أوسع بكثير. 

الذين قرؤوا مميزات النشر الإلكتروني في التدوينة السابقة، ربما تساءلوا عن مساوئه. بمعنى أنهم لم يقتنعوا القناعة التامة بالكتاب الإلكتروني أو الكاتب الذي لا يوجد له في المتاجر كتب ورقية. هذه مسألة مهمة، ولكي نجيب عليها نحتاج إلى إحصاء سيئات النشر الإلكتروني، وهي -في نظري- لا تتعدى أن تكون متعلقة بالقيمة الثقافية أو العلمية. إن المؤلفين يختلفون دائما، سواء نشروا كتبا ورقية أو إلكترونية، وهم في هذا متفاوتون، فمنهم من يقدم مادة مهمة ويناقش قضية مهمة، ومنهم من يكتب كلاما فارغا. كما نرى في الكتب الإلكترونية الموجودة في مكتبات الإنترنت (ومنها الكتب الورقية التي حُوِّلت إلى إلكترونية)، نجد أن الكتاب الإلكتروني لا يختلف عن الورقي في شيء، فكلاهما منسَّق، ومرتَّب، وواضح، ولا غبار عليه. هذا هو الجانب الشكلي للكتابين الذي لا يختلف إلا باختلاف رغبة الكاتب أو الناشر، فبعض الكتب الورقية سيئة الترتيب، ورديئة الجودة، وبعض الكتب الإلكترونية مطموسة الصفحات، تملؤها العلامات المائية التي تشوه الكتاب وتعيق القراءة. لكن هذا لا يختص بالإلكتروني وحده، ولا الورقي وحده. 

لكن القيمة الثقافية تختلف، ففي القرن العشرين كانت دور النشر تعمل حقيقةً لنشر المعرفة (وكسب المال أيضا)، نكتشف هذا في إصداراتها الموجودة في مكتباتنا المنزلية،  ولم يكن يحظى أي مؤلف بإقبال دور النشر المتميزة وعالية الشأن، وإذن فقد كانت هناك معايير صارمة ودقيقة لاختيار الكتاب الذي يُنشر والكتاب الذي يُردُّ إلى صاحبه، لذا يمكن أن ندَّعي أن الكتاب الإلكتروني في تلك الفترة لم يكن بقيمة الكتاب الورقي الثقافية؛ لأن الورقي يخضع للنقد والفحص اللغوي والمراجعة ولا يُنشر إلا بعد عناء، بينما الإلكتروني ربما نُشر في ليلة وضحاها طافحًا بالأخطاء الإملائية والمغالطات العلمية. 

1- السيئة الأولى هي أن النشر الإلكتروني لا يركز على جودة الكتاب وقيمته الثقافية. هذا صحيح! فمعظم دور النشر الإلكترونية التي قرأت سياستها في النشر كانت تشترط أن يكون النص منقَّحا وخاليا من الأخطاء الإملائية، وهذا الشرط لا غير، فلا يهم إن كان الكتاب تافها، أو عاديا، أو مفرطا في الجرأة، أو مخرِّبا، من شاء فليكتب، ومن شاء فليقرأ، وحامل الكفر ليس بكافر. 
لكن هذا يعني انحطاطا ثقافيا لا مفر منه، أي إذا قام كل من له قدرة على الكتابة بكتابة نص لا معنى له، ولقي موقعا ينشره له ويعطيه غلافا رائعا ورقما عالميا ISBN وحقوقا، ويسميه مؤلفا Author، فالسلام على المعرفة التي يمكن أن نحصلها من هذه الكتب وهذه المواقع. ولهذا السبب يتجنب معظم الكتَّاب العرب النشر الإلكتروني؛ لأنه بات يسيء إلى سمعتهم وسمعة كتبهم، ولأكون صريحا معكم، فإنهم على حق. لقد اطلعت أنا بنفسي على مجموعة كتب نشرت إلكترونيا فوجدتها تافهة وغير معبِّرة وسيئة اللغة، فمن حق أي قارئ أن يظن أي كتاب يُنشر إلكترونيا تافها وغير معبر وسيء اللغة، أليس كذلك؟ 

هذا شائع في بيئتنا العربية التي لا تحب المغامرة في كثير من أحوالها، أما عند الكتاب والقراء الغربيين فالأمر مختلف، إن من بينهم مؤلفين مشهورين يكسبون الملايين من النشر الإلكتروني، كالكاتبة الأمريكية أماندا هوكينج، والكاتب جون لوك (طبعا ليس هو الفيلسوف التجريبي المعروف)، فالأمر عندهم يختلف كما قلت، لكن تظل مواقع النشر الإلكتروني عاجزة عن وضح الحدود والتشديد على الكتَّاب في أمور الجودة اللغوية والمعرفية من كتبهم؛ لأنها على كل حال تطمع في المال، سواء من خلال الإعلانات، أو من خلال النسبة المستقطعة من ثمن المبيعات. 

السؤال هنا: هل دور النشر الورقي تنشر المعرفة أو تطمع في المال؟ يجب أن نعرف أولا أن دور النشر الورقي ليست مؤسسات خيرية تنفق على الكتَّاب، إنما هي تجارية وهدفها تجاري محض. ربما لم تكن هكذا أيام جبران خليل جبران، وطه حسين، ونجيب محفوظ، لكنها الآن تجارية بالمعنى المباشر للتجارة، أي أنها تطبع وتنشر الكتاب الذي تضمن أن يعود عليها بفائدة مالية، أما الكتاب الذي لا تظنه مربِحا؛ بسبب رداءته، أو بسبب مؤلفه المغمور، فإما أن تهتم به على حساب المؤلف ونفقته، أو تغلق دونه أبوابها، مهما كان قيِّما وعظيما. 

لقد قرأتم بعض استجابات دور النشر التي راسلتُها، وهي على اختلاف أساليبها توافق على طبع الكتاب وترفض وفقا لاحتمالات الربح أو الخسارة. إذن فلم يعد الكتاب الورقي نزيها غير تافه ولا سيء الترتيب لأنه كتاب ورقي، فالمشكلة هنا -في النشر الورقي- أو هناك -في النشر الإلكتروني- واحدة. 

ومن يذهب منكم إلى متجر من المتاجر ويتصفح بعض الكتب الجديدة المنشورة عن دور نشر شهيرة وجيدة السمعة، يجد عجبا، إن بعض الكتب جيدة وهذا لا شك فيه، لكن بعضها الآخر ليس جيدا بالمرة، سيء التصميم سيء التنسيق سيء اللغة، لا تكاد تقلب صفحة إلا تجد فيها همزة وصلٍ كُتبت همزة قطع، أو ياءً كتبت ألفا مقصورة... إلخ. 

فإذن السيئة الأولى لدور النشر الإلكترونية -وهي عدم التركيز على القيمة المعرفية للكتاب الإلكتروني- هي نفسها سيئة الدور التقليدية هذه الأيام. ما الحل؟ لم أقصد إلى أية حلول في هذه التدوينة، بل إلى تعداد سيئات النشر الإلكتروني، ولعلي سأناقش الحلول في تدوينات قادمة. 

2- السيئة الثانية تتعلق بتوزيع الكتاب، إذ تعود مؤلفوا الكتب الورقية -على علاتها- أنهم لن يحملوا همَّ التوزيع، فهم يدفعون ودور النشر توصل كتبهم إلى دوائرها في مناطق مختلفة -حسبما تقتضي سياسة الجمارك!- وإلى معارض الكتاب كل عام، أما مؤلفوا الكتب الإلكترونية -على سهولتها ومجَّانيتها- فأول همومهم هو التوزيع، إذ كيف يتولون وحدهم توزيع كتبهم وإيصالها إلى أكبر عدد من القراء؟! وهذه مقارنة واضحة، إما أن تدفع وترتاح ولا تدري من الذي قرأ كتابك ومن لم يفعل، أو تتولى توزيع كتابك بنفسك وتشرف أنت على عدد التنزيلات (أو المبيعات)، فهذه النقطة لا تسيء إلى النشر الإلكتروني بقدر ما تعطيه ميزة، ولا تحسن إلى النشر التقليدي بقدر ما تحيطه بالغموض. 

وإنني أفكر فيما بيني وبين نفسي فأفترض أن مؤلفا عربيا مشهورا وذا حظ من السمعة الطيبة قام بنشر كتبه إلكترونيا، فتبعه مؤلفون عرب آخرون، ويوما بعد يوم اكتسب النشر الإلكتروني منزلة ووفِّق في إنتاج كتب تستحق القراءة، سيكون للكتاب الإلكتروني شأن مختلف، وسيكون لمؤلفي الكتب الإلكترونية ما لمؤلفي الكتب الورقية من حضور (وحفلات توقيع إلكترونية جذابة!). 

لعلي أعود إلى تحديث هذه التدوينة إن وجدت سيئة ثالثة، لكنني أرى أن ما ذكرته يكفي. 


31‏/07‏/2015

النشر الإلكتروني (لماذا؟)



ذكرت لكم في التدوينة السابقة بدايتي مع النشر الورقي لروايتي الأولى "سماوات جائعة"، هذه البداية التي كانت قوية ومفعمة بالأمل، ثم تضاءلت حتى انتهت بسبب إهمال دور النشر الورقي وإعراضها عن الكتاب الجدد. لكن هل كنت ألوم دور النشر الورقي أو أشكل حملة ضد الكتاب الورقي لأن روايتي لم تنشر ورقيا؟ كلا، فدور النشر الورقي لها مهمة خاصة وواضحة: التمسك بالكتب المربِحة. ومهما تساءلتم عن الكتب المفيدة أو غير المفيدة، فلن تجدوا جوابا. 
دور النشر الورقي هي مجرد مؤسسات تجارية لبيع الكتب ونشرها، ولكننا فهمناها خطأ، فظننا أنها أماكن لرعاية الموهوبين، والإنفاق على المؤلفين المفلسين! لذا لا يجب علينا -نحن الكتاب- أن لا نلومهم في شيء. 
والحقيقة أن ليس كل الكتب الورقية سيئة أو مجرد سلع، الكثير منها رائع وجذاب ومفيد، ولكن رفوف دور النشر هذه لا تخلو من كتب عادية ومتكلفة، كيف طبعت ونُشرت؟ على حساب المؤلف غالبا. 

سأتحدث اليوم إليكم عن النشر الإلكتروني، وأنا بهذا الحديث لا آتي بأي جديد، فهناك من سبقني إليه وتكلم عن كل تفاصيله، وميزاته، وعيوبه، وأهم مواقعه على الشبكة العنكبوتية. أذكر هنا المدوِّن والمؤلف عارف فكري في مدونة "النشر الإلكتروني"، ورءوف شبايك في مدونة "شبايك.كوم"، وبعض المدونات غير المتخصصة التي تعرض للنشر الإلكتروني مثل "أراجيك"
كما ترون، ثمة من يبذل الكثير من وقته للدعوة إلى الكتاب الإلكتروني، بل إن الأستاذ رءوف ألَّف كتاب "انشر كتابك بنفسك"، الذي تكلم فيه عن النشر الإلكتروني، وعن طريقة النشر على الموقع الشهير Lulu.com. 

دعوني الآن أذكر لكم ميزات النشر الإلكتروني بعد تجربتي الأولى (والثانية قريبا)، وسأعترف لكم أنني لم أزل في البداية، لكنني أستطيع أن أفيدكم. إن أول ما يفكر به المؤلف قبل أن يشرع في كتابة عمله هو الجمهور، فيتساءل على طول الخط إلى أن ينتهي: كيف سيقرأ الناس هذا الكتاب؟ إلى أين سيصل؟ كيف سأوصله إلى أكبر عدد من القراء؟ والإجابة على تساؤلاته هي إما أن يوكل أمر كتابه إلى دور النشر التقليدي، التي ستوزعه على عدد من المكتبات حتى نفاد الكمية، أو يتولى النشر بنفسه. 
1- إذن، عن طريق النشر الإلكتروني تستطيع أن تنشر كتابك بنفسك، في أي موقع وفي أي صفحة وفي أي مدونة، وأنت المسؤول عن جمهورك؛ لأنك أنت من تختاره. 

التساؤل الآخر الذي يلح على الكاتب أثناء انشغاله بكتابة عمله هو: من سيقرر إذا كان الكتاب يستحق النشر أو لا؟ من سيراجع أفكاري ويوافق عليها أو يرفضها؟ والسؤال طبعا عن الرقابة، هذا الوحش الأسطوري في عالم الكتاب، فنحن لم نزل نقرأ إلى اليوم معاناة المؤلفين من سياسة الرقابة في الوطن العربي، بعضهم يشكو من منع عمله من النشر، وبعضهم يفرح بنشر عمله، ثم لا يلبث أن يسمع أنه سُحب من معارض الكتب، فهم مترددون، لا يستطيعون أن ينشروا كتبهم بطرق أخرى، ولا يستطيعون أن يكتبوا أفكارهم بوضوح وشجاعة. 
2- إذن، أخيرا تستطيع أن تكتب ما تؤمن به، ولن يصل كتابك إلى رقيب سيء المزاج يمزق أوراقه ويشوه أفكاره. 

عندما كنت أراجع "سماوات جائعة" وأهيئها للنشر، كنت خائفا من شيء واحد، كنت أتصور أن الكتاب طُبع ونشر في السوق، ثم حصلت على نسخة ورقية منه، فقرأتها، فوجدت فيها فكرة غير مكتملة، أو خطأ إملائيا فاتني أن أصوِّبه، وهذا الخوف مألوف لدى الكتاب، وهو يطاردهم ويوقظهم من نومهم، ولأنني كنت واثقا من نشر كتابي ورقيا، عملت على إعادة القراءة أكثر من مرة، حتى ارتحت إلى أن نصي صحيح ومكتمل، على الأقل بالنسبة لي. 
3- إذن، لن تخاف من صعوبة التعديل في نص كتابك بعد نشره، فأنت الذي تتابعه، وأنت الذي تستطيع أن تعدل فيه ما تشاء، ثم تصدر منه نسخة جديدة كل مرة، ولن تنتظر إلى أن تنتهي النسخ المكدسة في كراتين دور النشر حتى يمكنك أن تصدر طبعة ثانية.

الكتاب الشباب غالبا مفلسون، أقصد أنهم لا يملكون أن ينشروا أعمالهم على نفقتهم، لذا فأكثرهم يفضل اليأس والقراءة للآخرين، ويتخلى عن أفكاره التي أراد أن يجمعها في كتاب، والقليل منهم هم الذين يشقون صفوفهم بأنفسهم في العالم، فيكسبون جماهيرهم المخلصين ويتواصلون معهم مباشرة. 
4- إذن، لن تدفع ريالا واحدا عندما تنشر كتابك إلكترونيا، وإن كنت مهتما بتحصيل المال كالأستاذ رءوف، فبإمكانك أن تبيع كتابك عبر الإنترنت، وتضع له السعر الذي تراه، وتشرف على المبيعات أولا بأول. 

ما أطول انتظارك لكتابك الذي ستصدره دار نشر عربية! قد تنتظر ستة أشهر، لكن هذا لطيف جدا، لأنك قد تنتظر سنتين أو ثلاث سنوات. الأمر الذي سيقلقك، ويعطل مشروعاتك، ويجعلك تكره اليوم الذي كتبت فيه. 
5- إذن، انشر كتابك الإلكتروني في أي وقت، ولكن لا تنس أن تتمهل، لا لشيء، إلا لتعرض عملك على أصدقائك، وتكتشف أخطاءه وثغراته، أما عندما يكون جاهزا وأنيقا، فأنت من سيقرر نشره اليوم أو غدا. ولقد قرأت مؤخرا عن مواقع مثل: لولو، وأسناد الرقمية، تنشر الكتاب في أقل من يوم!

معظم الكتاب القلقين يفكرون كثيرا في حقوق النشر، ويخافون من المتلصصين الذين ينسخون ويصلقون ولا يهتمون بذكر المصادر، وقد تفاجأ إن قلت لك إن هؤلاء الكتاب هم الذين يعتمدون على النشر الورقي. كيف؟ سأشرح لك. عندما تنشر كتابك ورقيا ستطبع نسخا معدودة (لنقل 2000 نسخة)، ثم ستنتظر دار النشر حتى تستنفدها، لتبدأ بإصدار عدد من النسخ الجديدة، وأنت على كل حال مهتم بالمردود المالي الذي قد تنال منه 10% أو 20% أو أقل أو أكثر... فلنفترض الآن أن أحد الذين اشتروا كتابك قام بمسحه ضوئيا Scanning ونشره بصيغة PDF مجانا! ستقل مبيعات كتابك، وسيبدأ القراء بتنزيله ونشر روابطه، وعندما يعلم الجميع بأن كتابك موجود على الإنترنت مجانا، لن يشتريه إلا القليل الذي يهتم برائحة الورق. 
6- إذن، مجموعة كبيرة جدا من الكتب الورقية مصيرها أن تُنشر إلكترونيا، بطريقة قانونية أو غير قانونية، فلم لا تبدأ من النهاية وتكسب الوقت؟
# ملحوظة: مواقع النشر الإلكتروني حاليا تمنحك رقما عالميا لكتابك ISBN، وتضمن لك حفظ حقوقك، وتزودك أحيانا بأنظمة حماية ضد القرصنة. هذا إن كنت قلقا جدا على كتابك. 

تعرفنا على أهم ميزات النشر الإلكتروني، وأهم الأسباب التي تغري المؤلفين بترك دور النشر التلقيدي، ولكن لا نريد أن نكون مبالغين في الإعجاب بهذه الطريقة، إن لها بعض المساوئ، وسنناقشها في التدوينة السابقة. 
أرجو لك نشرا إلكترونيا موفقا.

# إعلان: للمؤلفين المهتمين بنشر أعمالهم على مدونتي، إنني أرحب بكم، راسلوني على هذا الإيميل ramzi@xd.ae، وتفضلوا بزيارة قسم الكتب.  


30‏/07‏/2015

النشر الإلكتروني (بداية)




منذ كنت صغيرا في الثامنة، أحببت الكتب الورقية وجمعتها، وبنيت حلما بأن أؤسس أكبر مكتبة في العالم... لكن هذا منذ كنت صغيرا! الآن أنا هنا لأعطي الصغير الذي بداخلي حلما آخر، وهو أنه سيصل إلى الكتاب الذي يريد، وسيوصل الكتاب الذي يريد. 

معظمنا يحمل ذكرى جميلة للكتب الورقية، رائحتها، ملمسها، شكلها؛ وهذا ربما لأن جميعنا بدأ مشواره الثقافي بها، فهي إذن صورة اختزنتها الذاكرة، واحتفظ بها اللاوعي؛ لذا معظمنا يقدسها ولا يستطيع أن يتخلى عنها، حتى لو كان عصرها قد انتهى. 

أقول عصرها قد انتهى، وأنا لست محقا بالطبع، فالنشر الورقي يملأ المكتبات، وهاجس الكتاب الورقي يؤرق الكتَّاب، لكن أشياء كثيرة حصلت في العقود القليلة الأخيرة، وغيرت هذه المكانة، ولعلها ذكرت الأطفال الذين يحلمون بداخلنا أن الثقافة هي الثقافة، في كتاب ورقي أو إلكتروني.


سأحدثكم عن بدايتي مع النشر الإلكتروني. في بدايات 2014 سافرت إلى المنطقة الشرقية وعدت بمشروع رواية، لم أكن كاتب روايات من قبل، ولم أكن إلا كاتب قصائد مبعثرة على الإنترنت وبين الأصدقاء، عدت بمشروع هذه الرواية، وكنت واثقا من أنني سأواصل الكتابة، إذ كنت كتبت قبلها مقدمات صغيرة لقصص لم أكملها، بقيت لأيام أرسم الشخصيات وأكون فكرة واضحة، ثم شرعت في الكتابة، مأخوذا بروعة الخوض في التفاصيل، ومأخوذا أيضا بحلمي القديم؛ أن أرى وألمس روايتي هذه على أرفف المكتبات الكبيرة.


أنهيت رواية "سماوات جائعة"، وقررت مراسلة دور النشر العربية، وكنت مطمئنا إلى أن دارًا واحدة ستنشرها إن لم تنشرها البقية. وكأكثركم، بقيت سبعة أشهر أراسل وأنتظر وأحاول ألا أشعر بالصدمة، لكنني شعرت بها على كل حال. التعامل العربي كان في كامل تخلُّفه في دور النشر الورقي، وهنا ألمح بداية إجابة مقنعة لمن يتساءلون عن تخلفنا الثقافي. 

تنوعت استجابات دور النشر، ولكنها تشابهت في نتيجتها، سأنقل لكم شيئا من رسائلهم: 

1- الدار العربية للعلوم ناشرون بدأت بـ: "لك منا كل الاهتمام"، ثم طلبت مني تحرير العمل بتفاؤل: "نقدر وقتك الثمين، ورغبتك  بطبع عملك، ونحن دائمًا نستقبل بأذرع مفتوحة أي عمل ونلاقيه دائمًا بالترحاب"، ثم بعد أن أعدت قراءة النص وقمت بالكثير من التعديلات وأعدت إرساله، كتبوا لي: "إذا كنت على استعداد لنشر عملك على نفقتك نحن جاهزون لطباعته". 


2- دار مدارك (التي تهتم بالكتاب الشباب) ردت: "تستغرق لجنة النشر من أسبوعين إلى شهرين كما كان موضحا في خطوات النشر. تتكفل الدار بالطباعة في حال الموافقة على الكتاب"، ثم لم ترد على رسائلي الأخرى. 


3- دار الفارابي وافقت على النشر، لكنها اشترطت التالي:

- أشتري 200 نسخة (ثمن النسخة الواحدة 12.5 دولار) من أصل 1000 نسخة تطبعها الدار.
- أدفع 500 دولار عند توقيع العقد.
- أتحمل كافة تكاليف شحن النسخ التي أشتريها. 
- أتنازل عن الكتاب لمدة 5 سنوات، وأرضى بنسبة 10% من الـ 800 نسخة المتبقية. 

4- دار الساقي: "تم الاستلام مع الشكر وسنعمد إلى قراءة الرواية ومناقشتها في هيئة التحرير ونعاود الاتصال بك بعد شهرين من تاريخه"، وبعد شهرين قمت بمراسلتهم، فردوا بعد ثلاثة أشهر: "يؤسفنا إخبارك عدم قدرة دار الساقي على نشر الرواية المقترحة. نتمنّى لك التوفيق مع ناشر آخر". 


كما ترون، الصغير الذي بداخلي تكسَّر، واتضح له أن الكتاب الورقي لا يزيد أهمية على كيلو المانجو في الصيف، أو سلة الكرز، أي أنه مجرد سلعة، والسبب الرئيس في رفض دور النشر العربية الأكثر أهمية هو أنني لا أملك موكبا إعلاميا يركض ورائي ويروج لاسمي، و أنني لا أملك 9374.99 ريالا ثمن شراء 200 نسخة من كتابي الذي لست بحاجة إلى قراءته مائتي مرة!





قرأت مقالات كثيرة في تلك الأيام، تتحدث عن النشر الإلكتروني، وعن دور نشر مثل "سيبويه" و "إي-كتب"، فقررت مراسلة الثانية التي كان شعارها "نحن ناشر معرفة، لا تاجر كتب"، وحقا رحبوا بي، وأعطوني كلمتهم من أول رسالة، إنني أنا الذي أنشر كتابي، وهم مجرد جهة مهتمة سينسقونه لي وسيصممون غلافه إن شئت، بدون أي مقابل مادي، وعرضوا علي عشر نسخ ورقية للإهداء بثمن بخس... الرواية الآن ترتاح في أرفف E-kutub.com.

سأواصل الحديث عن النشر الإلكتروني في التدوينة التالية... 


29‏/07‏/2015

رواية شجرة اللبلاب (قراءة سريعة)





يدهشك هذا العاشق (حسني) وهو يعيش في الطابق الذي يعلو طابق معشوقته (زينب)، يمشي ليلا ونهارا في حيرة وفي اضطراب، تتقاذفه الأحداث التي رآها في حياته، من وفاة أمه، وقسوة أبيه، وخيانة زوجة أبيه، وفراق أخته، وغربته ووحدته في المدينة بعد عذابه وطفولته البائسة في الريف. يدهشك وهو يحارب نفسه، يحب ويكره، يقدِّس الأنثى تقديسا، حتى إذا تذكر مشاهد الإناث الخائنات اللاتي رآهن في حياته، احتقرها وحاول ألا يفكر فيها، فهو محب وكاره، مقدِّس ومحتقِر، هائم لا يدري أزينب ككل الإناث أم أنها تختلف عنهن بوفائها وطهارتها كما تختلف بجمالها ونعومتها؟
فتراه وإذا به يمد خيوطا عبر نافذته إلى نافذتها، ثم يقوم بهزِّها، وينتظر، فتلاحظ اهتزاز الخيوط، وتعرف أن صاحبها قد أرَّقه الحنين، ودعاه إليها، فتقوم هي الأخرى بهزِّ الخيوط، فيعرف أن صاحبته قد لعبت بها الأفكار، فسئمت من القراءة وسئمت من انتظار النوم، فينهض إلى النافذة، وينكس رأسه منتظرا ظهور وجهها في الظلام، تحفُّه أوراق شجرة اللبلاب، ولا يبدو منه إلا بياضه الذي يضيء المساء ويزيد الحنين اشتعالا.
يتحدثان عما فعلاه في يومهما، تخبره بأنها كانت تعد خطواته بينما يمشي في غرفته، وتشكو إليه قلقها عليه، إذ كان يمشي كثيرا، فيخبرها بأشياء كثيرة، فليلة يطلب منها لقاء عاجلا، وليلة يزف إليها بحزنٍ نيته في السفر إلى الريف.. فهما على هذه الحال، تدغدغ قلبيهما نسمات المدينة، ويكسبهما قوةً جبل (المقطَّم) الجاثم بالقرب منهما، وجذوة الحب تزداد اضطراما كل يوم...
هذا مجموعة من المشاهد التي اخترت أن تكون وصفا لرواية شجرة اللبلاب، مع أنها لا تصف الرواية بدقة، إلا أنها قد تغريكم بقراءتها، فكاتب الرواية وهو الأديب المصري الجميل محمد عبد الحليم عبد الله ناقش في "شجرة لبلابه" موضوعات كثيرة غير موضوع الحب والحنين، منها ما هو اجتماعي ومنها ما هو فلسفي ومنها ما هو فني، فهو يجمع في روايته كل هذه القضايا ويوفق بينها في نص متين وواضح، نص غني بالأحداث، وواقعي، ومكتمل.
فبينما تقرأ شجرة اللبلاب لن تجد صعوبة في وصف المكان ولن تشعر بغرابته، ولن تعاني من كثرة الألفاظ وتنوعها المفرط، ولن تضيع منك الشخصيات، فكل شخصية مستقلة تمام الاستقلال عن الأخرى، وكل شخصية تمثل موقفا متفردا غير عشوائي ولا حائر.
في الرواية نوع من الصراع الحقيقي بين الإنسان والحياة والمجتمع، فيحاول الأب بعد وفاة زوجته أن يتزوج من أخرى شابة طامعة في المأوى والمال، فما تلبث أن تسيطر عليه وتصرفه كما شاءت، ويحاول حسني أن ينصرف إلى حياة العلم والفن ليتخلص من شبح زوجة أبيه التي كانت تخونه مع ابن عمها، وتحاول أخته أن تشغل نفسها بالزواج وتربية الأولاد وتسافر، ويحاول صديقه أن يتغلب على سقوطه المتكرر في مرحلة البكلوريا ويستعين بالموسيقى، وتحاول زينت أن تقرأ وتهزم حاجتها إلى رجل وتصنع لنفسها فلسفة خاصة... وكل هؤلاء لهم صراع متميز ونتائج مختلفة، فكأن الكاتب جرب أن يتقمصهم كلهم بأناة وروية، فساعة تكون مؤيدا لأحدهم ومناهضا للآخر، وساعة تعترض عليهم كلهم، وساعة تؤيدهم كلهم.
قرأت شجرة اللبلاب في فترة طويلة، برغم قصرها، إلا أنني فضلت أن أعيشها لا أن أقرأها قراءة سريعة ثم أنساها، فكنت أقرأها في المقهى، وفي السيارة، وفي المكتب، وفي حوش البيت، واستمتعت بها كل الاستمتاع.
للرواية نهايتان مختلفتان، إحداهما تراجيدية ومؤثرة ومنطقية؛ لأن الأحداث تسير من البداية على إيقاع حزين ومليء بالاعتراض واليأس، أما إحداهما -وهي نهاية الكتاب- فممتلئة أملًا وحبا للحياة، كأن الكاتب اختار هذا النوع من النهايات لئلا يعذب القارئ أكثر مما عذَّبه، وهي لم تعجبني؛ لأنها غير منطقية، ولأن النهاية الأولى كانت أنسب وأكثر انسجاما مع جو القصة. حسن، لن أفسد عليكم متعة المتابعة والاندهاش!
إنها من الروايات التي لا تلهيكم تفاصيلها عن موضوعها الرئيس، من الروايات التي تدخل حياتكم اليومية، وتدخلكم في أيامها، فلا تدرون أتقرأونها أنتم أم تقرأكم هي.


يتم التشغيل بواسطة Blogger.