05‏/03‏/2016

الرسم بالبكتيريا



"طبعة يد"، ساشا ستورم
لعلنا جميعا سمعنا عن الرسم على أسقف الكنائس أو على الخشب أو على الماء. أو ربما تقبلنا أن يرسم نزار قباني "بالكلمات"... لكن هل يمكن أن نتصور "إنسانا" يرسم بالـ "بكتيريا"؟ 
بغض النظر عن الاختراق المُهين لأمة البكتيريا وتسخيرها لنزواتنا الجمالية، الرسم بالبكتيريا ممكن وما تلك الصورة في الأعلى إلا مجموعة البكتيريا على يد طفل في الثامنة نمت بذكاء على صحن بِتري.   
تأملوا تلك البقعة الكبيرة في أسفل اليمين، هذه الدائرة المخططة بعناية وصبر نتجت من نمو بكتيريا الباسيلّوس Bacillus التي قد تصيبنا بداء السُّل القاتل. وتلك الدوائر الحمراء والصفراء الزاهية هي الخمائر yeasts التي قد تزعجنا بالتهابات الفم والأعضاء التناسلية. والدوائر البيضاء الصغيرة، هل ستتوقعون أن البكتيريا التي تكوِّنها هي ذاتها التي تسبب التهابات الجلد والغشاء المخاطي وتنتج الصديد؟   
كيف حدث هذا؟
بعد أن عاد ابنها من اللعب خارج البيت، طلبت منه Tasha Sturm -تقنية مختبرات أحياء دقيقة، كلية كابريللو، كاليفورنيا- أن يضع يده المتسخة برفق على صحن بِتري الذي يحوي وسطا مغذيا لنمو البكتيريا يُدعى أجار ترِبتيكيس الصويا TSA ثم تركتها لعدة أيام قبل أن تصير لوحة فنية مدهشة وخلّاقة. 
يُستعمل الآجار طبيا كأدة تشخيصية للكشف عن أنواع البكتيريا المختلفة وإحصائها. لقد دخلتُ في سنوات دراستي الأولى معمل الميكروبيولوجي، وكنت أنظر إلى مستعمرات البكتيريا وأشعر بالغثيان، ثم أشمُّ رائحتها وأحفظها لأتذكرها في الختبار العملي. لم يخطر لي أبدا أن هذه الصحون كريهة الرائحة يمكن أن تغدو فنَّا فريدا يُعرف الآن بفن الأجار agar art.  
الإنسان ماهر جدا في صناعة الفن والبحث عن كل وسيلة ممكنة للتجريب ونقل الخبرات. ظاهرة كهذه تستحق الأسئلة والاندهاش. إنها تفصح عن غريزة فنية فينا وتساعدنا لنتنبأ بالمزيد من التطور المعرفي والجمالي. 
هناك لوحات عالمية لفنانين معروفين كإدوارد مونك وفان جوخ رُسمت بالبكتيريا، وهناك الكثير من اللوحات الجميلة مثل لوحة "الموجة الكبيرة" القديمة للفنان الياباني هوكوساي. الجدير بالذكر أن هذه اللوحات التي يرسمها غالبا علماء يسهرون الليل في مختبراتهم مثل عالمة الأحياء الدقيقة ماريا يوجينيا 
Maria Eugenia Inda تتميز بالاستحداث والتجديد كما تتميز بالتقليد البارع. ستعرفون ما أقصد عندما تنظرون إلى لوحة "سماء الستربتومايسس" أو لوحة "موسم الحصاد".
سيكون من الجميل في النهاية أن أستعرض لكم بعض اللوحات.

"الصرخة"، إدوارد مونك
"الموجة الكبيرة في كاناغاوا"، هوكوساي
سماء الستربتومايسس، ماريا يوجينيا

المصادر: 
www.boredpanda.com/microbe-art-petri-dish-agar-contest-van-gogh-starry-night
www.today.com/health/striking-photo-shows-all-bacteria-8-year-olds-hand-t25096

28‏/02‏/2016

البعث الفكري: مرثية غير حزينة



المصدر
كلهم حزينون لأنهم فقدوك يا عزيزي
إلا أنا هربت بعيدا
وحزنت لأنك فقدت وجودك الجميل.

ما يقول المزارعون عندما يهجرهم الغيث؟
ما يقول الخبازون عندما تذوي السنبلات؟
ما يقول التائهون عندما تموت الغايات؟
لكنني لا أنتظر عودتك من السماء أو من الأرض أو في صورة سراب
فأنت إنسان قابل للخلود في أي شيء، وأنا ذلك الأيُّ شيء.


كل الذين يرثون لا ينتظرون أحدا
إنهم يقصدون مواطن الخلود في حياة الموتى وينزحون إليها
قالت الخنساء: "وإن ذُكِر المجدُ أَلْفَيْتهُ، تأزَّرَ بالمجدِ ثم ارتدى"
فلم تعرف عثَّة الفناء سبيلا إلى "صخر" وهو يتَّزر بالمجد في أذهان العرب.

قبل قليل بكيت
ولم يكن أحد يشاهد وطأة اليأس عليّ

ثم كانت فكرة عميقة
ثم كانت هذه الفكرة أفكارا باسمة نابضة
فهل كنت في كل الحياة سوى أفكار تعبُرني؟
إذن أنت لم تمت قط
حتى في عالمك الجليل المعطر

أنت صرت فكرة دائمة الوقع والكينونة 
وأنا الكائن الذي يكونك.

حينما يرحل الأفراد
تنشد الجماعات القصائد
وتتذاكر طهرهم وكمالهم وخيرهم وتأثيرهم
هذه هي دورة الحياة التي كلها توقٌ إلى البقاء

وهذه هي لغة الحضارات والتماثيل والأغنيات. 

بعد الموت
يتبخر الجسد إلى جنِّيات
جنيات رشيقات يرعبهن البكاء وتحلو لهن الذكرى
يتصعَّدن في السماء بشبق
يرقصن على حافات الجدران
يولولن.. يضحكن.. يشتهين رائحة اللحم والقهوة
أما بعد موتك أنت
فلم يحدث شيء
إلا هذه الرعشة اللذيذة في يدي.

في صباح غامض
دخلت "بيثيا" الكاهنة الحكيمة إلى حرم "أبولو"
انتظرت طويلا 

كان "أبولو" مشغول البال بمصير الفنانين الذين يباركهم
ولما سمع خطوات "بيثيا" المتئدة
انتصب منصتا إليها وشكى لها وجع رأسه
ضربت "بيثيا" بعصاها بأدب
وأغمضت عينيها
صمت "أبولو" طويلا

ثم أضاء وجهه واتسعت عيناه ولمعتَا
الفنانون يموتون كما تفعل "بيثيا" الحكيمة دائما
واقفين مغمضين أعينهم
حيث لا تتحرك "دابة الأرض" ولا تأكل عصيَّهم
فلتطمئن يا حبيبي
لقد كنت تلهمني وها أنا أضرب بعصاي كما فعلت "بيثيا" في حضرة "أبولو". 


أعدك
لن أحترم الذين ينوحون حزنا على أنفسهم. 

يتم التشغيل بواسطة Blogger.