28‏/02‏/2016

البعث الفكري: مرثية غير حزينة



المصدر
كلهم حزينون لأنهم فقدوك يا عزيزي
إلا أنا هربت بعيدا
وحزنت لأنك فقدت وجودك الجميل.

ما يقول المزارعون عندما يهجرهم الغيث؟
ما يقول الخبازون عندما تذوي السنبلات؟
ما يقول التائهون عندما تموت الغايات؟
لكنني لا أنتظر عودتك من السماء أو من الأرض أو في صورة سراب
فأنت إنسان قابل للخلود في أي شيء، وأنا ذلك الأيُّ شيء.


كل الذين يرثون لا ينتظرون أحدا
إنهم يقصدون مواطن الخلود في حياة الموتى وينزحون إليها
قالت الخنساء: "وإن ذُكِر المجدُ أَلْفَيْتهُ، تأزَّرَ بالمجدِ ثم ارتدى"
فلم تعرف عثَّة الفناء سبيلا إلى "صخر" وهو يتَّزر بالمجد في أذهان العرب.

قبل قليل بكيت
ولم يكن أحد يشاهد وطأة اليأس عليّ

ثم كانت فكرة عميقة
ثم كانت هذه الفكرة أفكارا باسمة نابضة
فهل كنت في كل الحياة سوى أفكار تعبُرني؟
إذن أنت لم تمت قط
حتى في عالمك الجليل المعطر

أنت صرت فكرة دائمة الوقع والكينونة 
وأنا الكائن الذي يكونك.

حينما يرحل الأفراد
تنشد الجماعات القصائد
وتتذاكر طهرهم وكمالهم وخيرهم وتأثيرهم
هذه هي دورة الحياة التي كلها توقٌ إلى البقاء

وهذه هي لغة الحضارات والتماثيل والأغنيات. 

بعد الموت
يتبخر الجسد إلى جنِّيات
جنيات رشيقات يرعبهن البكاء وتحلو لهن الذكرى
يتصعَّدن في السماء بشبق
يرقصن على حافات الجدران
يولولن.. يضحكن.. يشتهين رائحة اللحم والقهوة
أما بعد موتك أنت
فلم يحدث شيء
إلا هذه الرعشة اللذيذة في يدي.

في صباح غامض
دخلت "بيثيا" الكاهنة الحكيمة إلى حرم "أبولو"
انتظرت طويلا 

كان "أبولو" مشغول البال بمصير الفنانين الذين يباركهم
ولما سمع خطوات "بيثيا" المتئدة
انتصب منصتا إليها وشكى لها وجع رأسه
ضربت "بيثيا" بعصاها بأدب
وأغمضت عينيها
صمت "أبولو" طويلا

ثم أضاء وجهه واتسعت عيناه ولمعتَا
الفنانون يموتون كما تفعل "بيثيا" الحكيمة دائما
واقفين مغمضين أعينهم
حيث لا تتحرك "دابة الأرض" ولا تأكل عصيَّهم
فلتطمئن يا حبيبي
لقد كنت تلهمني وها أنا أضرب بعصاي كما فعلت "بيثيا" في حضرة "أبولو". 


أعدك
لن أحترم الذين ينوحون حزنا على أنفسهم. 

1 التعليقات:

"بعد الموت يتبخر الجسد إلى جنِّيات.."

جنيات ماكرات.. حزينات!

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.