21‏/11‏/2015

بين امرئ القيس والنُّميري: تكتيكات الجذب الجنسي



by  Damien Hirst & John Rankin Waddell
شهية.
تضم الشمس كتفيها الهشَّتين.
انكسار عينيها يغوي القلوب.
شفتاها تستغيثان..
بعض الدفء.. بعض الدفء.

في كل الثقافات تقريبا، يستطيع الرجال تمييز الأنثى الجذابة من غير الجذابة، معتمدين على آليات نفسية دقيقة تطورَّت لتسهيل اختيار القرين الخصب. يملك البشر نظرات لا تخطئ عندما يتعلق الأمر بتحديد القرين الناجح تكاثريا. وهذه النظرات يمكن أن تستنتج من خلال التركيز على بعض المناطق الجسدية (مثل الخصر، الوجه) مدى جاذبية القرين المحتمل. الصفات التي تشير إلى الخصوبة والقدرة تناسلية غالبا تكون جذَّابة، وعلى هذا الأساس ربما تم انتقاء الشريك بين الأسلاف، ويتم الآن. 
لكن المعايير ليست ثابتة في كل الأحوال، فإذا كان الرجال يسعون إلى علاقات طويلة المدى long-term mating مع الإناث، فإنهم أيضا يطمعون في علاقات متقطعة قصيرة المدى short-term mating؛ لأجل نشر المخزون الوراثي وضمان البقاء في الذرية. ووفقا لما يريده الرجل من الأنثى، سوف يفضِّل بعض الصفات ولن يفضل بعضها الآخر. 
إذا ألقينا نظرة خاطفة على الشعر العربي، سنجد شيئا من هذه الفرضيات. امرؤ القيس، باعتباره مثالا جيدا للرجل ذي العلاقات قصيرة المدى الكثيرة كما يروى، يصف حبيبته المؤقتة بأنها كسولة ومخدومة وتعتني بنفسها جيدا..
"ويضحي فَتيتُ المسكِ فوق فراشها،
نؤوم الضحى
لم تنتطقْ عن تفضُّلِ"

ويصف عمر ابن أبي ربيعة خليلته بأنها خصبة الجسد مطيعة متفلِّتة وشبِقة.. 
"وناهدةِ الثديين 
قلت لها: اتّكي على الرمل من جبَّانة لم توسـِّدِ.  
فقالت: على اسم الله أمرك طاعة وإن كنت قد كلّفت ما لم أُعـــــوّدِ
فلماّ دنا الإصباحُ، قالت: فضحتني، فُقم غير مطرود وإن شئت فازدَدِ" 



لكن الشاعر النميري، بخلاف امرئ القيس وابن أبي ربيعة، له توجُّه آخر. فهو لا يصف إناثه الجذَّابات بالخلاعة والتهتُّك والكسل والمجون، بل يرى أنهن على العكس تقيَّات ومحتشمات وإن كانت تقواهن لا تمنعهن من التطيُّب والتجمُّل..
"يخبِّئنَ أطرافَ البنانِ من التُّقى
ويقتُلْنَ بالألحاظِ مقتدراتِ"

فلكل رجل عين خاصة ترى الشريك المخلص والعفيف والخصب، وفي الوقت نفسه ترى الشريك المؤقَّت المتفلِّت الذي يسهل الحصول عليه. فإذا شئنا أن ننظر من جهة الأنثى، هل تعي الأنثى كل هذا؟ هل تعرف متى تبدو مقبولة كشريكة طويلة المدى ومتى تكون سهلة المنال؟ 

الآن يبدأ الجزء العلمي من الموضوع. 
سأحاول بإيجاز مراجعة دراستين رائعتين نُشرتا حديثا (2014) في مقالة واحدة. يفترض الدارسون (كاري د. غوتز، جوديث أ. إيستون، ديفيد م. باس) أن الإناث يستفدن من تمثيل قابلية الانخداع exploitability لتحسين أهداف الاقتران والصداقة. منذ أزمنة بعيدة، استفادت الإناث من معرفتهن بالعلاقة بين قابلية الانخداع والجاذبية attractiveness من ناحيتين: أولا. يسَّرت لهن هذه المعرفة التلاعب بالرجال بالظهور في هيئة السهلة والجذابة، ومن ثم الحصول على فرص اقتران. ثانيا. استفدن من فهم طريقة تفكير الإناث الأخريات، إذ تمثل الأخريات دائما المنافس الأول لهن على فرص الاقتران. 

قابلية الانخداع تعني ببساطة أن تبدو الأنثى (أو تُبدي عن عمد أنها) سهلة المنال ومثيرة جنسيا. تستعمل الإناث هذه الآلية لجذب القرناء الجنسيين. مثلا، بعض النساء في هذه الدراسة قلن إنهن يتعمدن أن يظهرن حمقاوات "light-headed" أو سخيفات "ditzy" كوسيلة لجذب الرجال. وفي كل مكان تقريبا، يمكن أن تُرى بعض الفتيات متسكِّعات، مرتديات ملابس توحي بإمكانية الاستجابة للدعوات الجنسية، جريئات. الفتاة ناعسة الطَّرْف -مثلا- توحي للشاعر المتغزِّل بقابلية الانقياد والضعف، فهي كسلى، وغير حذرة. الكسل في بيت امرئ القيس، وتمثيل دور المخدوعة والماجنة في أبيات ابن أبي ربيعة هي أمثلة جيدة من الثقافة العربية. وفي الثقافة الغربية أيضا، تفضِّل بعض الإناث أن تبدو سهلة (85%)، غير ناضحة (69%)، طائشة (69%)، محبَّة للاحتفال (61%) كأساليب للجذب الجنسي. 

العلاقات قصيرة المدى تمثل أهميات متنوعة بالنسبة لكلا الجنسين. فالرجال -كما يُفترض- فضَّلوا هذا النوع من العلاقات لأنه مكَّنهم من نقل مورِّثاتهم إلى أكثر من أنثى في وقت واحد، من دون تحمُّل كلفة الرعاية الوالديَّة. وكذا الإناث كسبن مصادر اقتصادية، وفوائد جينية، وحصلن على الحماية في ظل علاقاتهن مع رجال أقوياء وجهاء قادرين على توفير الحماية والمال لهن. لكن في الواقع، تشكل كل تجربة قصيرة المدى خطرا كبيرا على الأنثى أكثر من الرجل. أهم هذه الأخطار هي الكُلفة التطورية الباهضة الكامنة في رعاية الذرية في غياب الأب الجيني، وأيضا السُّمعة reputation. فالأمر يختلف تماما عندما يفكر الرجل في علاقة طويلة المدى مع أنثى ما. فهو سيكون أقرب إلى الشاعر النُّميري وأكثر حرصا وحذرا. فالأنثى ذات السمعة السيئة يمكن أن تحضى باهتمام الباحثين عن المتعة المؤقتة، لكنها لن تكون زوجة محتملة في معظم الأحوال.  

تفترض الدراسات أن الإناث المهتمات بالعلاقات قصيرة المدى سيفضلن الأشد رجولة more masculine [بروفوست، كورموس، كوساكوسكي وكوينسي 2006، بروفوست، تروجي، كوينسي 2008]. وأن الرجولة masculinity سترتبط بعدد أكبر من الشركاء الجنسيين المؤقتين، وباهتمام أكبر بالعلاقات قصيرة المدى [بوثرويد، جونس، بيرت، ديبروين وبارت 2008، رودس، سيمونس وبيتيرس 2008]. وتفترض الدراسة الحاضرة أن الأنثى العزباء والأنثى ذات الحظ القليل من إمكانية الاقتران ستفضِّلان الظهور بهيئة القابلة للخداع وسهلة المنال أكثر من المتزوجة وذات الحظ الوافر. 

كما افُترِض في البداية، وجدت الدراستان نتائج مهمة: 
1. الإناث الأكثر ميلا إلى العلاقات قصيرة المدى كن أكثر استعمالا لتكتيكات الجذب الجنسي المتعلقة بقابلية الخداع exploitability أكثر من الأخريات. 
2. كما استطاع الرجال ملاحظة هذه التكتيكات واستغلالها، استطاعت الإناث ملاحظتها أيضا. 

فهو إذن عالم معقَّد، يوشك أن يكون شبيها بالطرق السريعة التي يقف فيها الرجال حاملين راداراتهم الحساسة لتحديد موقع الأنثى الأكثر خصوبة والأنسب لنوع الاقتران الذي يريدون. يفضل امرؤ القيس وابن أبي ربيعة نوعا من الإناث، ولكن يفضِّل النُّميري نوعا آخر. وفي الوقت نفسه، تعرف خليلة امرئ القيس كيف تكون جذابة بكسلها وعطرها، وتعرف تقيَّة النميري كيف تكون محتشمة ومحافظة. 

المرجع (والمراجع الثانوية): 
Women’s Perceptions of Sexual Exploitability Cues and Their Link
to Sexual Attractiveness



0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.