خذي أيتها الطبيعة من جسدي كل نرجسة
ومن كتبي كل حكمة
وخذي من طريقي كل خطوة
خذي كل ما تشائين، فأنا التمثال الراسخ في أرضي
المكبَّل ببعضي.
أنا الإنسان الذي صار حجرا
والأغنية التي تجمدت قبل أن تُسمع
وأنا كل الحجارة الصمّاء المعذبة والتائهة
وأنا الصمت الذي كله سجن وموت وبلادة.
الحزن صيرني إلى هذه الكينونة
أو إلى عدم الكينونة
أو إلى الكينونة العدم
والحزن جعل جسدي ناطقا بلا حراك
وجعل لساني كبقية جسدي
جعلني متكلما بلا لغة
جعلني لغويا بلا كلام.
فلتأخذي أيتها الطبيعة رثائي وفظاعتي
أنا الشاعر تحت السيف
والكاهن المستوحش الوحيد
والكتاب الذي يُرمى في النهر ولا يجادل
ولا يملك حتى قدرة العويل الأخير
وأنا فكرة الإنسان
الغائبة حتى عن إدراك الإنسان وشعوره
المسافرة بلا كلل وبلا فائدة وبلا رجوع وبلا قرار
أنا الفكرة التي عنها يتكلمون ويتعاركون ويتقاتلون ويتلاعنون
الفكرة الهامدة الخرساء التي لا يمكن أن تكون
إلا مجردة من ذاتها.
فهل بعد هذا التوسُّل ما يرقق عواطفك نحوي؟
هل بعد هذه الحسرات والبشاعات،
بعد هذا الخضوع والكآبة والاستماتة ما يغريك بأخذ أشيائي الزهيدة،
أشيائي التي لا تتحدد أو تسمي نفسها أو تفصح أو تصرخ أو تستغيث؟
هل بعد؟ هل بعد؟
خذيها يا أيتها الطبيعة الأم والأب، ويا كل الرحمة ويا كل القسوة ويا كل الوجود
وهبي لي لغة تشقُّ صلابة وجهي
وتتمدد في العالم
من هذا المكان الصغير المعذّب الذي هو أنا
من المكان الصغير المعذب الراسخ في عذابه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق