01‏/01‏/2016

المثانة العملاقة: قلق كرونوس



الرسام الأسباني غويا: زُحل يفترس ابنه
سأكتب اليوم عن القلق
ولا أدري لم أشعر بأنني سأكتب عن كل شيء
فالقلق، كما يتبدَّى لي الآن، ليس ضعفا
ليس حالة الرضوخ فحسب
بل هو حالة القوة والجبروت
القلق هو "كرونوس" يأكل أبناءه

عندما كنا نستريح على الشاطئ في ليلة قائظة غير متوقعة، كان يبدو لي مربِكا. طاردتُ ملامحه وألفاظه فكانت في مجملها توحي إلي بأنه يخضع لعملية تعذيب داخلي شديد الإيلام. كانت أصابع يديه تعترك وتنهش بعضها، ووجهه يزداد تعرُّقا. أنا لم أتوقع أن أحتاج إلى نظرة "فرويدية" إلى حالته. فأسهبت في سرد القصص المسلِّية، خصوصا تلك القصة التي حكيتها لثمانية أشخاص حتى الآن، التي تنتهي بضحكة تخنق أنفاسي.
أشعر الآن بأن علي أن أوضح سبب قلقه. لقد أحس بالحاجة إلى التبوُّل قبل أن نختار منطقة عشبية نتكئ فيها. وهو بطبعه لا يستطيع أن يفرغ مثانته البولية في مكان خارج الحمَّام حتى لو تفجرت. شعرت بالمسؤولية، وألححت عليه أن يتيمم مكانا مناسبا ويتبول. نسيت أن أخبركم بأن المنتزه الذي كنا فيه لم تكن فيه حمامات للاستعمال البشري! لم يجد صديقي بدًّا من مجاملتي فتيمم مكانا قصيًّا وأحنى جسده ثم عاد بسرعة... اكتشفت فيما بعد أنه عانى من صعوبة غريبة منعته من إخراج قطرة بول واحدة.
وبما أن صديقي إنسان له قدرات تكيُّفية هائلة، مثلي ومثلكم، فقد توهم أن حاجته إلى التبول يمكن تأجيلها؛ لأن الحل الآخر هو أن نذهب إلى وسط المدينة باحثين عن حمَّام أو أن نعود إلى منازلنا في بداية المساء.

إلى تلك الساعة لم أكن "فرويديا". وأعني بتلك الساعة حين قال لي: "أتخيَّل وحشا عملاقا جدا يحملك بيد واحدة إلى الأعلى"، ثم ضحك ضحكة متقطعة، ثم سكت... لقد تخيلت الأمر، وشعرت ببعض المشاعر السُّريالية التي يمكن أن تشعروا بها بإزاء صورة كهذه. انظروا إلى اللوحة في البداية! لقد رسمها غويا الذي اشتُهر بعوالمه المخيفة والسوداء.. عوالم الساحرات والضحايا والميثولوجيا. هذه اللوحة يقال أنها مُستلهمة من أسطورة أحد التيتانيين (عائلة آلهة) هو كرونوس الذي كان يأكل أولاده خوفا من أن يسيطروا عليه عندما يكبرون. ولئلا ننتقل إلى موضوع آخر، سنعود إلى "كرونوس" صديقي الذي كاد يأكلني بسبب امتلاء مثانته.
صديقي كان قلقا من الناحية الفسيولوجية لأن امتلاء مثانته بفضلات دمه كان يعني اضطرابا على المستوى الخلوي في جسده. هذا الاضطراب الذي أدى إلى قلق نفسي بالضرورة. هذا القلق النفسي هو وسيلة حماية صحية له. فهو إن لم يقلق ويتشتت في كل مرة تمتلئ مثانته لن يعجِّل بتفريغها، وهذا سيتسبب في ترهل عضلاتها وضعف استجابتها للامتلاء الطبيعي (تقريبا 400-600 مليليتر).

نستطيع ببساطة أن نقرأ في خياله الذي نطق به بصوت مسموع حاجة "لاواعية" إلى التخلُّص مني. لم أكن مزعجا وثقيلا، لكنه رأى فيَّ التزاما بالبقاء ومواصلة السهرة، وهذا هو الأمر الذي لم يستطع مصارحتي به بطريقة واعية. بالطبع، أنا لم أدرك كل هذا وقتما كنا معا.. لكنني تأثرت به، بطريقة لا واعية أيضا. شعور مفاجئ بالقلق أصابني، اعترفت بحرارة الجو، وتطايرت الأفكار من جمجمتي، ثم اقترحت المغادرة؛ افترسني كرونوس الذي تضخم في داخله.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.