15‏/08‏/2016

إلى كنزى



عزيزتي كِنْزَى،

عدتُ قبل ساعتين من رياضتي المسائية. نزعتُ ملابسي وتلذّذتُ بحمام ساخن ثم حلقتُ ذقني الخشنة وخدشتُ طرف فمي. صار عندي الآن جهنّم صغيرة تنتظر جنّة قبلتك. أكلتُ بعدها بيضًا مسلوقًا باردًا وشربتُ ما تبقّى من كوب القهوة الصباحي. وها أنا أدخّن سيجارتي وأنفثُ أنفاسها/ أنفاسي على عصفوري الملون معتقدًا أنني أقدم له معروفًا ينسيه موت شريكته بالأمس. أتساءل: هل للعصافير ذاكرة يا كنزى؟ ثم أشعر بدناءتي المتمثلة في قفص نحاسيّ أنيق. أعدك أنني سأطلق سراحه غدًا حتّى يقابل مصير طيرانه ويموت راضيًا عن وجوده.

أفتح النافذة التي تدلّيت منها ذات مرة بعد أن رأيتٍني أقبل إحداهنّ في زقاق خلفي. كان أمرًا لطيفًا جدا أن تنتحري من أجل رجل أحمق مثلي لكنني ما طقتُ عقدة الذنب المتمثّلة في دفع أنثى رقيقة إلى الموت بهذه الطريقة السخيفة لذلك أمسكت خصرك بإحكام ودفعتُ بك نحو الداخل. حين وقعتِ على الأرض انفرشَ شعركِ وبدا وجهكِ مُحمرًّا وغاضبًا وتعيسًا. قلت لي أنك تكرهين شفتيّ، وعقلي المتخلف وساديّتي. ثم أخفيت ملامحك ورحت تنتحبين على نحو لا يصدّق حتّى خفتُ على أتفاسك وكدتُ أجزم أنك تنتحرين بطريقة أخرى. وما إن وضعتُ ذراعيّ حولك لأخلّصك حتّى انهالت عليّ يداك الواهيتان بالضرب. كنت تدقين صدري دون أن تعرفي أن أبوابه مشرّعة لك، وتصرخين في وجهي دون أن تدركي تمزّقي أيضًا. هدأت بعد ساعة وخرجت راكضة من الباب تاركة خلفك بللًا على قميصي، في روحي، في ازدرائي لذاتي، في مرارة القبلة اللعنة. تاركة هذه النافذة المفتوحة المُوحِشة.

التقينا بعد أسبوع ورقصنا على أغنية صاخبة. أذكر أنك كنت حلوة بطريقة لا تطاق بحيث شربت معي القهوة بعد انتهاء السهرة وقلت لي: "يا صديقي"

أحتاج إليك يا كنزى بشكل يتنافى مع حريتي، وأبتغيك بإمكانياتي التي تكاد تكون معدومة، فقد تركتك تتسربين مثلما ينسلّ ضوء من تحت بابي كلّ مساء ويمشي في الممر تجاه غرفة أخرى. لم أفعل شيئا لأحافظ عليك. وها أنا الطفل المهم الذي يصفق له الجميع يفتقد ذراعك المليء بالزغب الأشقر ويرتجي كوبًا آخر من القهوة حتى يُصلح ما كان. وهاهي "نجاة" تذكرني بك وهي تكرر "بسيطة جدا". أقلبُ على وجهي من الضحك وأسترجعك وأنت تزكّين أسنانك وتصرين موافقة على ما تقوله. بينما تشبهين في الحقيقة فستانًا مرصوصًا بالأحجار الملونة. يرهق أكتاف فتاة صغيرة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.