26‏/08‏/2015

رسالة أولى..




صديقتي التي سافرت على متن قذيفة طائشة
لقد زرت أمك منذ أيام وكانت لا تزال تبكي بحرقة وهي تقول إنك مت عن طريق الخطأ.
لقد أدهشتني حقا، لكنني كنت رحيمة بما يكفي كي لا ألقي عليها محاضرة تفيد بأننا نموت في الوقت المناسب بالضبط وفي رواية أخرى وأكثر تعقيدا فإننا لا نموت أبدا.
جلست بجانبها وأنا أتفهم تماما حزنها الذي دفعها لتصور بائس كهذا، فأمسكت يدها وحاولت أن أحقنها بقليل من الدفء. حين أجهشت بالبكاء وشهقت عرفت أن الدفء قد وصلها وأنها الآن مرتاحة بما فيه الكفاية لتقبلك على مهل وتطلعك على كل شيء. ستقول لك إنك كنت مبتسمة وكان نعشك خفيفا لم يتعب أكتاف الحاملين ولا بد أن تصدقيها يا عزيزتي.
أنا نفسي رأيت العصفور الصغير الذي غط في وجهك ونام. رأيت جموعا من الزهور الصغيرة ترفع غطاء عينيك وتتسلل داخلهما. رأيت قطعا من السكر تذوب في شرايينك فيسيطر عليك اللون الأبيض وتصبحين شفافة ورقيقة كما لم تكوني يوما.
لكن أحدا منا لم يعرف إلى أين ذهبت بالضبط. وقفنا مدهوشين أمام عتبة منزلك الجديد نقيس المساحة التي ستضم جسدك. المساحة التي ستكفيك لتطبخي وتستحمي وتنامي وتنجبي أسماكا صغيرة تسبح في بحر آخر لا نفقه عنه شيئا، وحين بدؤوا بإغلاق الباب ليمنحوك بعض الخصوصية، خيل إلي أنك تغمزين لنا وتمسكين بيد لم نتبين ملامحها جيدا ولكنني أعتقد أنها كانت يد الله.  وما دامت كذلك فإنك لن تضيعي أبدا. الله رحيم وسوف يوفر لك حياة هادئة ومسالمة ليس فيها حروب واعتقالات على ما أرجو ولا يضمر الوقت فيها قذائف للأبرياء. لكن عليك أن تخبري والدتك بهذا في أقرب وقت ممكن كي تبتسم قليلا وترسل لنا طبقا من الحلويات كما كانت تفعل.

صديقتك من العالم الذي يأكل نفسه.


هامش1: تمنحني الحرب لذة الحياة كما لا يفعل أي شيء آخر وحين تسألني صديقتي بعد جولة من الاحتدام النفسي: "ألا تخافين الموت؟" لا أجد أي حاجز يمنعني من أن أعترف بأنني أخاف أن يموت أحبابي قبلي! 

هامش2: أحبك يا صديقتي لكن الله يحبك أكثر. 



0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.