14‏/09‏/2015

انطباعات عن اسطنبول (1)




سأصف في سلسلة تدوينات قصيرة انطباعاتي عن مدينة اسطنبول كمكان، لن أهتم بالتفاصيل التاريخية أو الأثرية، ما يهمني هو تجربتي النفسية التي أذكر منها الآن رذاذا من الذكريات الشعورية اللذيذة، والقاسية. 
كانت اسطنبول خيارا جيدا لي ولصديقي، وبالرغم من موعد الرحلة الذي كان غير مناسب، والعقبات التقنية التي واجهناها في مطاراتنا، وصلنا أخيرا، متأخرين بيوم واحد في 16 أغسطس هذا العام. 
هذه الصورة تشرح الارتياح الذي يمكن أن يشعر به مسافر ما وصل إلى مدينته التي انتمى إليها بطرق غامضة... الجبال ترتدي اللون العشبي وتتكئ على حواف الماء، أو الماء يتحرش بأطراف الجبال ويلمسها لمسا خفيفا. تشعرون أن دفتر الأفكار الذي تكون لديكم في الطائرة عن هذا المكان صار يرغب بتمزيق نفسه، وتكتشفون مشكلة من نوع ما، إنها هوس التصوير العالمي، فنحن في الواقع صرنا نفرض على أنفسنا التقاط المشهد قبل كل شيء. لكنني أظن أنني تغلبت على هذا التوق الشديد لالتقاط كل تحرُّك أو سكون، وفضلت تذوق الصورة ثم التقاطها؛ لذا عدت بصور أقل مما يجب! 
مقارنة بالمكان الذي سافرت منه، كانت اسطنبول أشبه بشريط لفيلم شاهدته مرارا لكنني حظيت بعد وقت بفرصة الدخول فيه وتمثيل أفكاري. قرأت كثيرا في منتديات السفر العربية (التي تذكر كل شيء عن أي شيء)، واستمعت إلى الموسيقى التركية، وتصفحت بعض روايات أورهان باموق، واحتفظت داخل جمجمتي (هذا تعبير قهري بالنسبة لي!) بمدينة رائعة كانت تنقصها الخيبة لتكتمل. إنني أعتقد أن كل مدينة في العالم تستطيع أن تخيِّب قاصديها بأسلوب تتعلمه عبر الحضارات. إنه ذلك الإحساس الذي يمحو كل توقعاتك ساعة الدخول، وينسيك انطباعاتك ساعة الخروج. وحقا، لم أزل في حالة يمكنكم أن تجدوا لها شبيها في فيلم Waking life من ناحية البعثرة والتماهي في مكانين متفاوتين كل التفاوت. 

أقلعنا من قطر إلى اسطنبول وفي بالنا وسواسان: الأول أننا سنواجه الكثير من النشَّالين، الثاني أن علينا أن نصل. ولكننا ما إن أوشكنا أن نهبط حتى بدأت إيقاعاتنا الداخلية تمسي أكثر ترتيبا، نعم، فها هو الواقع وها نحن. 

إن "خيبة" اسطنبول التي قدمتها لي ولصديقي هو انشقاقها إلى جانبين: آسيوي وأوروبي. وهذا هو ما شجعنا على تناول عشائنا الأول في مطعم صغير على مضيق البسفور.  

في الليل..
يهجع الضوء متوسِّدا هذه القوارب التي تتراقص
تغرق أنت في تفكير مستمر
ثم تخرج لتجفف أعصابك بالنسيان 
الذي تمنحه لك نسمات تهب لأجلك
وسفينة صاخبة تدور حول رأسك. 

إذا تعلق الأمر بالتفضيلات الشخصية، فإن المشي بعد منتصف الليل بالقرب من مضيق البسفور من أفضل ما يمكن أت تفعلوه هناك، يهبكم استقرارا تدركونه بسهولة، ويغذي أنفسكم بالشعر الحقيقي. قعدنا في مقهى فسيح، يمتد بحرية على البحر، وتضيئه مصابيح هادئة، ويقدم الشاي فيه نُدُل لا يعرفون الإنجليزية، ولا تستطيع -في حالتنا- أن تخاطبهم بالعربية، لكنهم سيرضونك بتجهُّم وعناية تركيين. لاحظت أن الأتراك بصفة عامة متحفظون، أقصد ليسوا مثلنا نحن السعوديين الذين نميل إلى اللغة الشعورية في الكلام. كما لاحظت أنهم يؤدون أعمالهم جيدا. 


لأن يوما كاملا فاتنا بسبب تأجيل رحلة طيران، قررنا أن نستمتع بأقل عدد من الأمكنة. فكانت وجهتنا صباح اليوم التالي جزر الأميرات... 



2 التعليقات:

مشاهدات جميلة؛ شكراً للمشاركة.

لم أزر تركيا أبداً. أخي زارها مرتين -إسطنبول من ضمن الأماكن التي زارها- وانطباعاته عنها غاية في الجمال + الحنين حتى!

الصورة بديعة. طبيعة أخاذة.

طاب مساؤك صديقي هيثم
عند نهاية هذه السلسلة أفترض أنك ستخطط بجد لزيارتها في أقرب وقت
تركيا تقدم الكثير من "الخيبات" بمعناها الخاص هنا :)

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.