26‏/06‏/2016

رسائل منّي إلي (1) ~ حتّى لا أنسى


اللوحة للفنان السوري، صفوان داحول
نور العزيزة جدًّا. الأغلى على الإطلاق:

لن تصيري سمكة مهما تدهّنت بالماء وسبحتِ. لن تصيري عصفورًا مهما تسلّقت شجرة التين في الفناء الخلفي لبيت جدّك، ولن تحترقي مهما قلت أن ضلوعك من خشب. لن تتحوّلي إلى دالية عنب مهما قالوا أنّ جمالكِ مُسكرٌ، وأن عينيك خمّارتان ماجنتان غارقتان في الليل والوحدة. لن تُرجعي الأشياء من العدم مهما قرأتِ من نظريات وخضتِ في نقاشات وأشعلتِ آخر فتيل في رأسك. لن تعيدي اللحظة التي سبقتْ افتراق يدك عن يد والدك في ذلك البهو المريض المليء برائحة الرزّ المطبوخ بالخضار مختلطًا مع القليل من المعقّمات ومصحوبًا بضربات الفتاة التي كانت تنظّف جدارًا قريبًا، مُمسكة جمود العالم في ملامحها ومبتسمةَ في آن.
لن تنتصب أعواد روحك المكسورة مهما تحدّثتِ عن الأمل والعودة والحنين، ومهما أضأت الشموع وصليتِ، ومهما هشّمت اللوح الزجاجيّ ودستِ عليه. لن يصير فستانك الورديّ أسود مهما جرتِ عليه وحاولتِ تجاهلَ فجرهِ ولهيبه. لن يقول لك أنه آسف، فالأسف أمر معقد للغاية ينبعُ من مفهوم الخطأ الذي يكون بدوره نسبيّ وضبابي. لن يعود ذلك الخيال من الماضي ليقول لك : "خذيني، اصطفيني" لأنّ الأخيلةَ لا تعود، ولا تصير حقيقة بعد كلّ هذا الوقت من النّأي، ونكران القلب، واجترار الأسى. لن تفهم أمك لماذا بكيت حين فقدت مشبك شعرك البنفجسي لأنها ستعتبر أن شعرك طويل جدا وأن الدنيا مليئة بالمشابك الأكثر جمالًا وألوانًا. لن تتحرك ستارة نافذتك في حزيران بفعل النسيم بل سوف تتعرق وتتقبل انحناء الشمس في دورة مهمة لا تبدي خلالها أي انزعاج.

أنت في قوقعتكِ الملتفّة، المشبوكة. مثل أية بلهاء تحدق في جدار وهي تنتظر أن تخرج الصراصير من شقوقه وتعتذر عن سوادها. ماذا عن الفراشات التي تحلق حولك؟ ماذا عن النور النابع الذي ينعكس على الشقوق ويعقّم عفنها؟ ماذا عن الماضي الذي يستقيم ويمارس صفته من ناحية المضيّ والسكون؟ ماذا عن الآن الذي ينظر إليك بعين واسعة جدا آخذًا جمالك بعين الاعتبار وكاسيًا كتفك الأيمن بشالٍ من "الدّانتيل الأخضر"؟

2 التعليقات:

تتدهن بالماء وتريد تغيير كنه العدم

تستحق مثل هذه الشخصية رسائل شتى

تغيير العدم ليس مطلوبًا وربما ليس معقولًا أيضًا. لكنّ النفس حين تفقد ما/ من تحب قد تفكّر أنها قادرة على إعادتهم من حيث ذهبوا. قبل أن يذووا ويرحلوا. الأمر خاضع لضعف عاطفيّ عابر.

كلنا نستحق الرسائل حتى لا ننسى ولا نضعف ولأننا وحدنا القادرون على قول الحقيقة لأنفسنا في كثير من الأحيان.

أهلا بك

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.