02‏/08‏/2016

دائرة



هذه الدائرةُ لا تحميني، لكنها تشبهُ المجال الخارق لأنثى "مطّاطيّة"!




تجمّع الرجالُ في الساحة الكبيرةِ، وكانوا يتشاورون بشأن شيءٍ مهمٍ كما كان يبدو. رفع أحدهم يده بغضبٍ وتعالتِ الشّتائمُ، وكاد اثنان أن يتقاتلا لولا أن تدخّل ثالثٌ تظهرُ على حركاته الجسديّة مسحةٌ من الحكمة والاتزان. هذا ما رأيته عندما أزحتُ الستارة لأسلم على العالم الذي ما كان ليبدو لي مختلفًا كثيرًا، فقد تساوى الوقتُ أخيرًا، وصارتِ الساعة السّادسة صباحًا لا تختلفُ عن السادسة مساءً إلا في فنجان القهوة بالحليب!
فركتُ عينيّ وتتبّعتُ لونهما الذي قادني إلى باب الغرفةِ حيثُ فتحتهُ وخرجتْ. كنتُ أمشي كأنثى تجرّها خصلةُ شعرٍ في مقدّمةِ رأسها. سلّمتُ على أمّي -كما يفعلُ الطيّبون- وقد كانت تكتبُ على دفترها الصغير بضع ملاحظاتٍ لم أتبيّنها، ترخي نظّارتها على أنفها ثم تقفُ قليلًا -تفكّرُ على ما يبدو- وتنغمسُ في الكتابة مجدّدًا وهذا ما جعلها تردّ تحيّتي بإيماءةٍ واحدة.
"يالَ الثلاثاء النيسانيّ الموحِش" قلتُ هذا بمنتهى الإجحاف والطفولة، وبرز في وجهي مدرّب التفكير الإيجابيّ  الذي قرأتُ لهُ بضع سخافاتٍ على أحد المواقع وهو يقول: "ما زال في بدايته، لا تحكمي على الأشياء في بدايتها"، عمومًا. لقد تخلّصتُ منه كمن يفقأ فقاعة لأنني أعرفُ أنني لستُ في البداية. لقد قطعتُ إلى الآن شوطًا كبيرًا جدًّا وأشعرُ أن نيسان عالقٌ هنا منذ سنتين وأنّ يوم الثلاثاء تحديدًا يتكرّرُ بشكلٍ لا يُطاقْ، وعندما أقولُ هذا لأخي وهو يشربُ كوب القهوة ويدخّنُ سيجارتهُ "الأولى" يضحكُ بعبث، بدخان، كأنما ضحكتهُ غيمةٌ نُفخَتْ للتوّ من رئة السّماء، ثمّ يعلّق: "مجنونة!".

أنا الآن أجلسُ على الكرسيّ الأسود الوثير الذي كان أبي قد صنعهُ لي قائلًا: "في العمل لا بدّ أن تكون جلستكِ مريحة، ثقي بي". في الحقيقة أنا غارقةٌ فيه تمامًا ولن أخفي زهوي بحذائي الجديد الذي يشبهُ في ذوقه حذاء المدرسة الابتدائية. إنه لامعٌ جدًّا كأنه مرآةٌ تعكسُ ذكرى مصطفى وهو يقول: "أنا بحبِّكْ لأنو كندرتك نظيفة" فأضحكُ وأحزنُ في آن على ضياع يد الصداقة منا بسبب الحرب والموت، لكنني سرعان ما أبتسمُ مجدّدًا وأضربُ بقدميّ الأرض محدثةً طرقاتٍ سريعة وإسبانية حتّى تفرغ الموسيقى التي تسري في رأسي، وتستكين الحياة التي تضجّ خلف الزجاج النظيف.



على الهامش: "إنّي مرساةٌ لا ترسو".













0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.