26‏/12‏/2015

يحق لك أن تقتليني


Ricci Albenda، المصدر.

يحق لك أن تقتليني،
فأنا ضحية عشقي وأنت غير مسؤولة عني. 

يحق لك أن تقتليني، 
فيداك.. يداك ستجدداني 
وسيعلم الناس بهذا الحدث الجلل. 

يحق لك أن تقتليني،
فأنا أحب دموع عينيك وأنفاس فزعك
ولسوف أشتهي أن تقتليني لأجل هذا. 

يحق لك أن تقتليني،
فنواح ضميرك سيعلو في ليل غيابي
وسيبقى شاهدا على رثائك لي. 

يحق لك أن تقتليني،
يا شهية الرائحة، خنقا بين ذراعيك وأمام رقبتك
ولا زيادة. 

يحق لك أن تقتليني،
فأظافرك ستنحر جسدي الساخن
لكنها لن تبيد خيالي. 

يحق لك أن تقتليني،
فحُرقة قلبك ستشعلني
وسأتبخر
ثم أنتقل إلى جسد آخر
وأعود إليك لأزيد ارتعاشك. 

يحق لك أن تقتليني،
فأنا سأبقى في بالك أبدا
وإنه ليسعدني أن أكون قريبا منك
ولو في صورة إثم. 

يحق لك أن تقتليني، 
وأن تقولي لهم
إنك لم تقتلي سوى أديم الفكرة
وأما الفكرة فلا تطولها يد الموت. 

يحق لك أن تقتليني،
وأن تهربي مني 
فكل ما أريد هو أن نبقى معا. 

يحق لك أن تقتليني،
فأنا إنسان مقتول.. مقتول
ولن أحس بوخزة القتل مرة ثانية. 



23‏/12‏/2015

فريدريك نيتشه: مصاب بالزهري أم مخرِّف؟



فريدريك فلهيلم نيتشه، قبل الوفاة بعام واحد، 1899.
- هل كنت عليلا؟ هل شُفيت؟
من كان إذن طبيبي؟
ولكن، هل استطعت نسيان كل شيء؟
- الآن أعتقد أنك شفيت؛
لأن من ينسى سليم. 
نيتشه، العلم المرح [1]

حالة طبية عويصة: منذ العام التاسع عانى من صداع شديد يدوم لساعات (أحيانا لأيام) ويعيق نشاطاته اليومية، غالبا يتموقع هذا الصداع في الشق الأيمن فوق العين، ويرتبط بأعراض مَعِدية مَعَوية (غثيان، تقيؤ). لتخفيف هذا الألم، حاول أن يبقي عينيه مغلقتين (فوبيا الضوء photophobia) وتجنب العمل. عند العام الثاني عشر شكى من تعب في العينين وانزعاج من الضوء. العديد من أطباء العيون الذين فحصوه قالوا إن لديه قُرب نظر شديد myopia يترافق مع قصور في عضلات المستقيم (الجزء الأخير من القناة الهضمية). لاحظت أمه وأحد أطباء العيون أن أحد بؤبؤيه (الأيمن) أكبر من الآخر anisocoria. عند التاسعة والعشرين قال لأول مرة إنه عانى فجأة من ضعف في العينين ونقص شديد في الإبصار. عند الرابعة والثلاثين أجريت له اختبارات طبية وكانت النتائج مؤسفة جدا: تدهور مفاجئ للرؤية، ثم صار بعد ذلك أعمى تماما*.
عند الثامنة والثلاثين، بدت عليه علامات اكتئاب وأفكار انتحارية. هذه الأعراض حدثت في فترات متقطعة، ثم بعد خمس سنوات وصف حالته بـ "اكتئاب دائم". أثر هذا المزاج الاكتئابي على حياته، وفي عدة مناسبات عبَّر عن أفكار غريبة (توهُّمات delusions). في التاسعة والثلاثين وصف حالته بالجنون، وقال أكثر من مرة إنه يخشى على نفسه الجنون. بعدها بعام كان يرى الكثير جدا من الزهور الخيالية التي تلتفُّ حول بعضها، تنمو باستمرار وتتغير أشكالها وألوانها بغزارة غريبة! ساءت حالته النفسية، وعند الرابعة والأربعين حدث له انهيار عقلي مع توهُّمات وعجز عن الاعتناء بالنفس. وفي هذا الوقت أُدخل إلى المصحة النفسية*.
في الخامسة والأربعين أصيب بالخَرَف dementia بعد هبوطٍ مستمر في القدرات المعرفية.  ثم شُخِّص في العام نفسه بالشلل العام أو ما يدعى شلل المجنون العام general paresis of the insane. لاحقا في السادسة والأربعين نُقل إلى مصحة نفسية أخرى، حيث شُخِّص بنفس التشخيص. بعدها بعام تطورت حالته إلى: مشاكل شديدة في الذاكرة، عدم اكتراث apathy، هيجان، اضطرابات سلوكية، فقد التبصُّر insight، عدائية، تغيرات في الشخصية، عجز عن التحكم في النفس، نكوص regression (أفكار واهتمامات طفلية) وتوهُّمات متزايدة وفقدان لقدرة التعرف إلى الوجوه prospagnosia. اضطرابه العقلي كان متوافقا مع أعراض الخرَف ( وفقا لتوصيف .(*DSM-4
في السنين الأخيرة من حياته عانى من أعراض عصبية حادة neurological: اضطراب في الكلام ربما تطور إلى عدم قدرة على التكلم بطلاقة anarthria وشلل الوجه facial paresis . من المحتمل جدا أن سبب هذه الأعراض هو نوباتُ جلطة دماغية stroke. بعدها صار مُقعدا بسبب  الشلل النصفي*.
عند السادسة والخمسين مات من الالتهاب الرئوي*.
هذه طبعا ليست حالة مُتخيلة، بل حقيقية، وهي جزء مهم جدا من التاريخ الطبي للفيلسوف والشاعر الألماني نيتشه. هذه البيانات الدقيقة حول حقيقة ما عانى منه نيتشه لم تكن متوفرة في نهايات القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك الحين كان –وما زال- يُظن أن نيتشه كان مصابا بالزُّهري العصبي* neuorosyphilis (عدوى الزُّهري التي تشمل الجهاز العصبي)، بغض النظر عن التشخيص العامي الأشهر "الجنون". لكن في أبريل 2008، نشر ثلاثة باحثين (د هيميلسويت من قسم الأعصاب، ك هيميلسويت، د ديفريسي من قسم الفنون والفلسفة، جامعة جينت/أو خينت الهولندية) ورقة علمية تقدم فرضية جديدة لمرض نيتشه (هي التي نقلتُ منها الحالة في الأعلى). ما يميز هذه الدراسة هو أنها تستند إلى مرجعين حاسمين: أولا، مراسلات نيتشه ووصف أقاربه وسجلاته الطبية. ثانيا: الدراسات الطبية الحديثة التي بلا شك تختلف في كثير من آلياتها عن المعلومات الطبية المتوفرة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (حيث كان شائعا أن الزُّهري هو سبب الخرَف دون الحادّ لرجل في متوسط العمر*).

صورة MRI لحالة كاداسيل
ولأتجنب المزيد من الأعراض والمصطلحات الطبية، سأختصر فرضية كاداسيل التي أنتجتها هذه الدراسة. كاداسيل CADASIL هو اختصار للاسم الطويل لمرض وراثي سائد [2] يرى الباحثون أنه قد يكون المرض الذي عانى منه نيتشه. اقترح هذا التشخيص لأول مرة دايفوس ب. من قسم الفسيولوجيا العصبية (المعهد الفرنسي للصحة والبحث الطبي، باريس) [3]. ليمكن قبول تشخيص مريض ما بهذا المرض (كاداسيل) يجب أن يتصف بخمس صفات ضرورية: بداية الأعراض قبل سن الخمسين، وجود عَرَضين على الأقل من أعراض أربعة رئيسة (هي: الصداع النصفي، نوبات مشابهة للجلطة الدماغية، اضطرابات شديدة في المزاج، خَرَف)، ألا يكون مهددا بأي أخطار متعلقة بأمراض الأوعية الدموية، توفر الدليل على انتقال صفات وراثية سائدة، وجود دلائل على مادة بيضاء white matter غير طبيعية في صورة الرنين المغناطيسي MRI. يؤكد الباحثون بعد هذا أن تاريخ فريدريك نيتشه المرضي يتوافق مع أربع من هذه الصفات الخمس (لا توجد صور MRI للمادة البيضاء لدماغ نيتشه)، وبهذا قد يكون نيتشه هو أول حالة كاداسيل موثقة تاريخيا*.

* منقول بتصرف في الترجمة عن مقالة بعنوان "مرض فريدريك نيتشه العصبي"، على هذا الرابط             http://www.researchgate.net/publication/5279485
[1] العلم المرح ص 26، فريدريك نيتشه، ترجمة حسان بورقية ومحمد الناجي، طبعة أفريقيا الشرق.
[2] Cerebral Autosomal Dominant Arteriopathy with Subcortical Infarcts and Leukoencephalopathy، يجب التنويه أن العديد من أعضاء عائلة نيتشه عانوا من مشاكل عقلية ومعرفية، خصوصا والده الذي عانى من صداع نصفي، نوبات صرع، هبوط في القدرات المعرفية، ثم مات بسبب الجلطة الدماغية في السادسة والثلاثين. أخوه جوسيف أيضا مات في عامه الثاني بعد توعُّك عام general malaise ونوبات صرع. خاله ثيوبالد مات منتحرا*.
[3] http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/10210836

21‏/12‏/2015

يوفوريا: السعادة الضرورية


لـ laura fedora
تسمع الجميع يقولون: هذا ليس وقت النشوة
لكنك منتشٍ حقا
واحدا من بينهم قال: آه، كم أنت قلق!
إنه الوحيد الذي اكتشف الحقيقة 


لمَ نشعر بالسعادة أحيانا عندما نكون قلقين؟ 
دعونا نتأمل هذا السيناريو: إنها ليلة اختبار صعب، أحدكم يجلس على الأرض، وحوله كومة من الكتب والملاحظات، يتوقف فجأة عن القراءة ويشعر بالنشاط، بعد قليل سيدرك أن جسده غير مستقر، ينهض، يمشي في الغرفة... ثم تبدأ الأفكار الجميلة بالهطول على رأسه، يخطط للسفر إلى مدينة بعيدة أو إلى خلق حفلة باهرة، طبعا هذا ليس وقت التفكير خارج المقرر الدراسي، لكنه لا يقاوم الدم الدافئ السعيد الذي يحرِّكه. 

أستطيع أن أزعم أننا نعيش مثل هذه اللحظات في أوقات يمكن أن نصفها بالـ "غير مناسبة"، فليس من الحكمة أن نترك التحضير الجيد ونستهلك وقتا طويلا في رسم المشروعات أو مشاهدة الأفلام. لكن ما السبب؟ هل نحن من نختار الترويح عن أنفسنا؟ أم ثمة آلية تعمل في الخفاء؟ 
سأبدأ تحليل هذا السيناريو بحرية، غير مستند إلى مراجع علمية، وقد أضيف تدوينة أخرى إذا حصلت على معلومات جديدة. 

ظاهريا، يبدو هذا الطالب السعيد متناقضا وغير جاد، فالطبيعيُّ هو أن يكون قلقا (القلق استجابة طبيعية لمثل هذه الأحوال) ومركِّزا كل اهتمامه على موضوع الدراسة، لا أن يكون سعيدا جدا ومحلِّقا مع الخيالات. لكن هذا يبقى ظاهريا فحسب. في الأعماق قصة أخرى تديرها الهرمونات المسافرة بين نهايات الأعصاب. 

الجسم أثناء حالة القلق anxiety يكون تحت وطأة الجهاز العصبي السمبتاوي sympathetic nervous system الذي يدخلنا في حالة المواجهة أو الهروب fight -or- flight response، فنحن في موقف صعب، ونحتاج إلى البقاء يقظين ومتنبِّهين، وهذا ما سنفعله عندما يغمر أوعيتنا الدموية هرمون الأدرينالين (تطلقه الغدد فوق الكلوية). 
هذا الهرمون يوقظنا حقا، فهو يزيد نبضات القلب ومعدل التنفس، يوسع بؤبؤ العين، يشد العضلات، يقلل رغبة الأكل والنوم والجنس... إلخ. ومن الملاحَظ أننا عندما نكون قلقين (مغمورين بالأدرينالين!) نشعر بالانتباه الشديد، الحاجة إلى التبول، الدوار، الصداع، آلام العضلات، جفاف الفم.. وأيضا قد نعاني من إسهالٍ مفاجئ (عند إعلان النتائج). 
كل هذه التغيرات التي تحدث في أجسامنا لا تحدث عبثا، بل لها مغزى طبيعي وتطوري، فلولا هذه الثورة الهرمونية لما استطاع المقاتلون الانتصار، ولما اجتاز الطلاب الاختبار (أكره السجع!). 

دعونا الآن ننتقل بسرعة إلى الحالة المناقِضة. لماذا نشعر بالعكس تماما في وقت ما قبل الاختبار؟ 
يسهل أن نتبأ بتغيُّر هرموني يجعل القلق يصير سعادة. فبعد الأدرينالين يحلِّق الدوبامين داخل الأوعية الدموية نفسها، وكذا يفعل الإندورفين. لكنني أفضل أن نخرج من هذا التحليل الصيدلاني الآن.
إن ما نشعر به من السعادة في هذا الوقت -بغض النظر عن آليته العصبية- ضروري لتحفيزنا كما أن القلق ضروري لشدِّ انتباهنا وتركيزه. قد لا نستطيع مواصلة القراءة إن لم نعد أنفسنا بمشاهدة فيلم قبل النوم أو تناول العشاء خارج البيت. نتبادل أنا وأصدقائي الكثير من الخطط الرائعة أيام الاختبارات، لكننا عندما نتناول غداءنا بعد اختبار سيء كالعادة، نشعر بالكسل والحاجة إلى النوم وننسى ما كنا نفكر فيه. يبدو لي هذا كل مرة مخيِّبا وأشعر أن أعصابي حقيرة عندما تتعامل معي بهذه الطريقة.
هل نستطيع أن نطلق عليها "متلازمة ليلة الاختبار"؟ 

جهازنا العصبي يعمل بحكمة، فعندما يكون القلق مضرًّا ويستهلك الكثير من الوقود (السكَّر)، تعمل السعادة الشديدة euphoria على تحسين الأداء العصبي وتقليل الاستهلاك الطاقيّ. 
أيضا، لهذه السعادة آثار محمودة أخرى، فهي تجدد نشاطنا الجسدي، تمنحنا الثقة والإقبال، تحتال علينا لننهي واجباتنا! إنها أشبه بالأب الذي يعد أطفاله بجوائز النجاح (حتى لو لم يف بوعده) أو الأم التي تدللنا بالشاي والقهوة والحلوى. 
لكنها قد تسحبنا من الواقع إلى اللاواقع، فننسى ضرورة الدراسة ونتوجه بكل اهتمام إلى التخطيط والمشروعات. نكتشف هذا إذا بدا لنا السؤال الأول من خارج المنهج! 

ما رأيكم؟ 

يتم التشغيل بواسطة Blogger.