12‏/09‏/2015

سماوات جائعة: لقاء صحفي (2)



إحدى الصور التي اخترتها لغلاف الطبعة الأولى
 رفضها المصمم قائلا: مخيفة!

لم أنم إلا متأخرا ذلك اليوم، أنا لا أهتم بالصحافة والثرثرة، لكن صحفيا يقول (دعنا نتقلْ) سيهمني جدا أن يحتفي بي. سهرت أراجع لقاءنا الذي اختزتنه ذاكرتي، هل قلت ما يجب قوله؟ أظن أنني تسرعت في وصف الرواية بالأفكار المختلفة التي تريد أن تبقى، سأهاتفه صباحا وأطلب منه حذف هذا الجزء.. لا إنني في هذا الوقت أراه وصفا دقيقا، لكن...
نمت أخيرا، ولا أدري متى بالضبط، ثم استيقظت منقَّحًا وجيد المزاج، مارست نشاطاتي اليومية، ثم تهيأت للقائنا عصرا. أرسل رسالة قبل الموعد يعتذر عن احتمال أن يتأخر عشر دقائق، فدهشني.. معقول؟ أعرف إعلاميا وعدني بكتابة مقال عن الرواية بعد نشرها لأول مرة، والآن مرت سنة تامة وثمانية عشر يوما ولم تزل رسالته "لاحقا"، وأعرف شخصا... لن أستطرد. سأنقل لكم اللقاء مباشرة.
جاء بعد عشر دقائق معتذرا ومكررا الاعتذارات، ثم افتتح اللقاء بسؤاله:
- أستاذي، لاحظت اليوم وأنا أعيد قراءة الشخصيات أن ثمة تفاصيل غير متينة، مثلا: فراس هو أستاذ علم أدوية. لقد جربت أن أجعله "أستاذ أحياء" فلم أواجع صعوبة تذكر.
- نقد في محله يا أستاذي، تركيبي للشخصيات كان منحازا إلى دورها في تمثيل الفكرة، ولم أهتم كثيرا ببعض التفاصيل التي لا تؤثر كثيرا في انفعال الشخصية مع واقع القصة. لاحظ أننا لن نستطيع أن نجعل فراسا "معلم تربية بدنية" أو "طبيبا".
- ما هو سبب هذا التراخي برأيك؟
- "تراخي" هي كلمة مناسبة، أنا أتهم لغتي السردية، فأنا أستطيع أن أصفها بالجيدة من ناحية إيصال الصورة والحركة، وبالسيئة في بناء شخصية مستقلة لها تيار وعي خاص.. أذكرك هنا بأن الشخصيات تبدو أمتن في الطبعة الثانية، إذ قرأت خلال هذه السنة الوحيدة الكثير من الأعمال الأدبية.
- أهمها؟
- "الخبز الحافي" لمحمد شكري، "شجرة اللبلاب" محمد عبد الحليم، روايتان لجوستاين غاردر.
- يبدو أننا نلتقي عند جوستاين غاردر، فقد قرأت له "عالم صوفي".
تكلمت مع نفسي مشدوها: صحفي سعودي يقرأ فلسفة؟!
ثم انتبهت إلى سؤاله التالي:
- لماذا لم ينشر رمزي الطبعة الثانية ورقيا؟ ألا تشعر أنها تحسنت بما فيه الكفاية؟
- لن أفعل هذا مع هذه الرواية بالذات، هل تعرف معنى أنني شعرت بالقرف من دور النشر العربية؟
- هناك دو...
- يا سيدي، راسلت الكثيرين، كلهم كانوا بائسين يعيدون طباعة رواياتهم المربحة، ويلغون عقودهم مع الكتاب غير الرائجين.
- ألن تحاول؟
- لأجل من؟
- القارئ العربي.
بحماس قلت:
- لأجل كل القراء أوفرها مجانية ولا أبيعها.
- إذن، فلتسمح لي بالانتقال إلى نقطة ذات أهمية.
- فلتتفضل.
- أعجبني مشهد فراس عندما يغضب من نجوى ويخرج ليسبح ساعات طويلة.. هذا المشهد الذي ينتهي بتمزيق فراس لرفيقه أمل "مجسم الدانبو". هل قصدت بهذا الفعل "التمزيق" أن تنهي علاقة فراس بالوهم؟
- يا سلام، قراءة ممتازة.
- قصدت أم لم تقصد؟
- الرمزية في المشهد واضحة، لقد مزق فراس صورته الأخرى الجمادية، وقرر أن يصير إنسانا.. ولقد حاولت إقناعه طويلا.
- حاولت إقناعه؟
- آه، تعبت كثيرا وأنا أكتب النسخة الثانية، حاورت هذه الشخصية الرئيسة عدة مرات ودرستها بما لدي من معلومات نفسية.
- وهل نجحت؟
- ما ترى أنت؟
- رأيي الشخصي أنك تطورت، وربما هذه كلمة تعجبك أكثر من غيرها.
ضاحكا علقت:
- نعم.. أكيد.
- لقد اخترت قرية "مزهرة" مكانا لميلاد فراس وشوبق، وبهذا جعلت القرية التي تسكنها وطنا. هل تعمدت هذا؟
- إنها القرية التي أعرف عنها الكثير، هذا ما جعلني أختارها، كنت أبحث عن قرية من قرى جازان لأجري فيها الأحداث الواضحة والغامضة التي صنعت فراسا، ولم أكن متفرغا لدراسة أوضاع القرى الأخرى. فمزهرة هي "لجوء أدبي" لو كنت ممن يحبون المصطلحات الاعتباطية.
- مزهرة.. ثم الدمام.. ثم سوريا.. وإذا واصلنا القراءة سنكتشف لبنان. هل كل المدن الأخرى لجوء أدبي؟
- لا. فالدمام هي اختيار فراس لا اختياري. ولبنان هي مكان منطقي للقاء بين رجل أعمال سعودي وكاتبة سورية، وسوريا هي مكان مناسب لإخراج امرأة كنجوى ستستطيع أن تعلم فراسا كيف يعيش صادقا مع نفسه.
- لكن يبدو أنك لم تكن تعرف الكثير عن المدن الأخرى.
- معك حق. فقد قصرت كثيرا في المجال الوصفي للأمكنة، وهو عيب يأخذه علي أساتذتي الكبار. السبب هو أنني عجول.
- ولم العجلة؟
- سماوات جائعة جاءت في وقت حاسم من حياتي، أردت في أسرع وقت أن تكون لي تجربة مكتوبة.
- لم أفهم تماما معنى "وقت حاسم"، لكنني سأتساءل عن التجارب السابقة لو أمكنك الإجابة؟
- بلا شك. كتبت أولا قصة تعليمية لعلم العَروض في 2011، وأعددت ديوان شعر في 2013. لكنني لم أقتنع بأي منهما. وهذه الرواية جاءت لتحدد موقفي مما أكتب، هل سأملك شجاعة نشره أم سأنساه؟
- وكنت تعي سيئات العجلة؟
متفكِّرًا نطقت:
- أعيها جدا.
- سيدي، إذا أردنا نحن القراء الفضوليين أن نعرف ما الذي منحته سماوات جائعة لرمزي؟
- منحتني الثقة، والأصدقاء الجيدين، والأكثر من هذا أنها منحتني توجها جديدا في الحياة.
- ستشرح لي هذا التوجه إن أبديت رغبتي؟
- إنه التوجه الفني عموما، عندما كتبت القصة لم أكن أعرف نهايتها، لكن فراسا ونجوى علَّماني أن أفكر فيهما، ليس من حيث هما شخصيتان متخيَّلتان، بل من حيث هما وجودان مستقلان.
سكت كأنه يعيد النظر في كلامي، ثم قال بود:

- لن تكون عجولا في المرات القادمة، بالمناسبة أما من عمل قادم؟
- نعم، رواية ثانية، أعدك بأن أصبر عليها!
- وستنشرها إلكترونيا أيضا؟
- بالتأكيد.
- سأنتظرها يا رمزي..
تردد قبل أن يقول:
- في الحقيقة، لقد أسعدني لقاؤك، وأدرك الآن أن أمامي مهمة صعبة، وهي أن أنهي هذا اللقاء، لأستطيع جمعه كله في مقالين على الأكثر.
- أنا أكثر سعادة، ولست بحاجة إلى أن.. (طوووط).
نظرت في شاشة الجوال فإذا بها تعرض صفحة الملاحظات التي كنت أكتب فيها، أينك يا أستاذ..؟ يا أكثر الصحفيين أدبا؟ هيييه!!
ثم شعرت ببعض الأمل في مواصلة النداء: يا صاحب (دعنا ننتقلْ)، ألن ننهي اللقاء؟
فلم يعد، وعندما توجهت إلى قائمة الاتصالات، لم أجد رقمه المميز.

* اللقاءان متخيَّلان كما هو واضح. 


11‏/09‏/2015

سماوات جائعة: لقاء صحفي (1)



غلاف الطبعة الثانية 2015، تصميم: عادل حكمي

هذا ما حصل لي، شكرا للصحافة السعودية، شكرا كثيرا. سأوضح الآن بعض الأمور. حدث في لحظة من لحظات شتاء 2014 أن كنت في مدينة الدمام، وهي مدينة حبيبة أفضل زيارتها. وبينما كنت أستمتع بالبرد الذي يهجم ليلا على الشواطئ والمقاهي ويعطي أحدنا ثقة خاصة بنفسه وبدفئه، قررت أن أكتب رواية. لم أعرف شيئا إلا أنني قررت ثم نسيت الأمر تماما، ولم أكن كاتب قصص إلا نادرا، بل كنت شاعرا مقلا. وعندما عدت إلى جازان بعد عدة أيام اندفعت بإحساس شديد بضرورة تفريغ خبراتي الشعورية السابقة في قصة طويلة. وفي الحقيقة، لم أستطع التمييز بين ما يسمى القصة الطويلة والقصيرة والرواية، فكلها كانت عندي فيلما أود أن أخرجه أنا، وأشتهي أن أكون جزءا منه. 
دعوني الآن أكن مملا، سأنتقل إلى موضوع آخر، ركزوا معي...
بعد أن نشرت روايتي الأولى (سماوات جائعة)، لم يتحرك شيء حولي، كنت الوحيد القارئ والكاتب والناقد العابس الذي يبحث عن الأخطاء الزمنية. أعجبتني لوحة الفنان البلجيكي رينيه ماغريت "العاشقان"، خصوصا بعد قراءة القصة التي نُسجت حولها، فاخترتها لتجسد حرمان "فراس" وبُعد "نجوى". 
قلت إنني كنت وحدي عالم القراء الذي التهم هذه الرواية، وصارت "الأكثر مبيعا في عالمي"، حتى إنني صدقت ذات مرة أن روايتي تحظى بانتشار مشرِّف. 


غلاف الطبعة الأولى 2014، تصميم: عادل حكمي
بقيت لمدة سنة كاملة أقرأ النص الذي حفظته بين الوقت والآخر، وأحاول رمي الروابط هنا وهناك، فأسعد حين أحظى بأستاذ من أساتذتي يقول لي: "سماوات جائعة ليست رواية"، حقا؟ رائع، سأكتب "ليست روايات" أخرى، ولا أدري ما الذي منعني أن أصنف (سماواتي الجائعة) في الطبعة الثانية "ليست رواية". لكنني وجدت حافزا كافيا في بعض ردود القراء الأوائل، واستنتجت أن علي القيام بالتالي: تقليص عدد الصفحات الذي وصل إلى 299 في الطبعة الأولى، وترتيب الفصول واستبعاد بعض الشخصيات ضعيفة الحضور. 
هل قلت الطبعة الثانية؟ سأدخل الآن في صلب موضوعي. لقد هاتفني مساء عند العاشرة، بالتأكيد هاتفني قائلا:
- الأستاذ رمزي الحكمي؟
فقلت بتردد:
- هلا.
كانت لغته جادة ومختصرة، كيف لا؟ وهو من كبار الصحفيين السعوديين. عندما عرفت أنه هو اقشعر بدني، وتوقعت فجأة أنني سأكون استثناء في عالم الفكر: الوحيد الذي يصير مشهورا جدا بأول عمل أدبي! طلب مني أن أعطيه موافقتي.
- علام؟
- سأوثق لقاء صحفيا معك، قرأت روايتك ووجدت أنها جيدة.
- ها؟
أقنعني باختصار بالموافقة فوافقت، ثم حدد لي موعدا بعد يومين كاملين، بحيث يتهيأ هو خلال اليومين ويجهز أسئلته، وأراجع أنا بعض معلوماتي. لم أسمع من قبل عن صحفي سعودي يعرف كلمة "جيدة"، فاجأني هذا الرجل بصرامته وإخلاصه لفكرته. وهذا شجعني على القبول والاستعداد. 
بعد يومين كاملين، اتصل بي في الساعة المحددة، واعتذر عن صعوبة مقابلتي شخصيا بسبب سفره:
- ستحتملني لبعض الوقت حتى أنتهي من أسئلتي، ثم لك أن ترسل إلي ما تريد على البريد الإلكتروني. رمزي، سأنشر هذا اللقاء، وستحظى بمراجعات كبار الكتاب المحليين، راجع روابط الرواية وأصلحها بسرعة إن كانت تالفة. 
- حاضر.
سألني أسئلة تتعلق بتاريخ ميلادي ومكان الولادة ومتى كانت أول مرة أحببت فيها الأدب العربي... أسئلة روتينية ستجدون إجاباتي "المتكلفة" عنها في الصحيفة. ثم بدأ يصل إلى الرواية. في الحقيقة، كنت أعرف شكلين من أشكال الناس الذين يستجيبون للصحفيين، الشكل الأول هو شكل الروائيين الخليجيين الذين يجيبون إجابات قصيرة ويرفضون التصريح بحالتهم الاجتماعية، والشكل الثاني هو شكل المصارِع عزَّام في المسلسل الكرتوني "النمر المقنع". فاخترت أن أكون وسطا بينهما، أي: خليجيا فيما يخص "من تكون البطلة نجوى؟"، وشبيها بعزام عندما يتعلق الأمر بالإجابات المفيدة. 
وسأنقل إليكم الآن أهم تفاصيل حديثنا الطويل الرائع...

- من ألهمك "سماوات جائعة" الاسم؟
ضاحكا قلت:
- صباح ممطر في الطريق إلى الكلية.
- أرجو أن تكون أكثر وضوحا.
- إذن، لقد جاء هكذا بينما كنت أحدق في السماء.
انتقل بسرعة الحريصين على وقتهم:
- ومن ألهمك "سماوات جائعة" الرواية؟
- مممم، هل علي أن أطيل الكلام؟
- أرجو أن توجز، فأنا أستمع وأكتب.
- إذن، ألهمتني ذاكرتي. السماوات الجائعة هي خلاصة ذاكرتي أثناء الكتابة (إنني هنا خليجي بغترة وعقال)، لا بد أن تجد في الرواية شيئا ما مشابها لك، إذا شاءت الصدفة أن تتشابه ذاكرتانا.
- رمزي.. كلامك يشبه الفصل الأول من الرواية، هل تعدني أن تجيب إجابات واضحة؟
- طيب.
توقف قليلا، استأذنني بأدب:
- هل أستطيع تسجيل المكالمة؟
- موافق.
- شكرا، إذا سألتك عن ثقافتك الروائية قبل أن تكتب سماوات جائعة، هل تستطيع أن تصفها لي؟
- طبعا، ضحلة جدا، لا تزيد عن روايتين، والكثير من الروايات الممثلة في أفلام. 
- تستطيع ذكر واحدة منها؟
- أختار رواية "Empire of The Sun" لجيمس بالارد التي مُثلت في فيلم رائع أنصحك بمشاهدته.
- وإذا طلبت رواية عربية؟
- آآآ، "غواية الماء" لابتسام تريسي، أنصحك بقراءتها لكن بعدم الطمع في فهمها تماما.
- دعنا ننتقلْ (نطقها هكذا: دعنا ننتقلْ، مع أن معظم الصحفيين ينطقونها: دعنا ننتقلُ) إلى جو الرواية. إذا أحببت أن أكون قارئا مولعا بالرمزيات، وطلبت منك أن تحدد لي إلامَ يرمز بطلك (فراس أبو القاسم) أو بطلتك (نجوى)؟ 
- أولا، لا فراس ولا نجوى أبطالي، إنهم أبطال أنفسهم. ثانيا، يصعب التحديد، لأن الرمزية ستكون نسبية، لكن إذا افترضنا أنني قارئ سياسي، ففراس هو المواطن اللامنتمي، ونجوى هي المهاجرة الوحيدة التي لم تهرب!
- رائع، أنت تتهرب بذكاء، لكن سيتوجب عليك أن تكون واقعيا الآن. أنا شخصيا أحببت شخصية (شوبق)، إنه صريح وواضح الملامح ولن يكون من الغريب أن أحبه، لكن هل كنت تريد من شوبق أن يمثل فئة معينة من المجتمع الجازاني؟
- وهل يفعل غير هذا؟ إن شوبق وزوجته وأولاده هم واقع نعيشه ههنا. (إنني هنا شبيه بعزَّام المصارع).
- ليتك تبقى هكذا. 
- صف لي فكرة الرواية من فضلك، سأعد هذه استراحة نفسية لك.
- بل هي عذاب نفسي، أنا نفسي لا أعرف إلى الآن وصفا واحدا للرواية، إنني يا سيدي أؤمن بالنسبية، لكن سأحاول. (سماوات جائعة) هي مسرح تتصارع فيه الأفكار، الفكرة الجيدة متمثلة في (أنور) السائق، والفكرة المنعزلة في (فراس)، والجميلة في (نجوى)، والشريرة في (مهجة) العجوز، والفكرة الضحية في (شوبق)، والفكرة الفنية في (إيريك)... وصولا إلى الفكرة المستسلمة في (أبو نجوى). 
- جميل، لكن أما من نهاية لهذه الأفكار؟
- هدف الرواية هو أن تبقى هذه الأفكار. لاحظ أن فراسا يسأل نجوى متلهفا وهو يراقصها: لماذا كنت تكتبين؟ فتجيب: لأقتل الموت. فنحن أمام بشر يريدون أن يبقوا بأفكارهم بعد فناء أجسادهم. فراس كان واحدا من أبناء هذا العصر الذين يتذبذبون بين نظرياتهم العلمية وحاجاتهم النفسية.
- بدأت أقتنع. 
- هذا يسعدني.
- ستسمح لي إن سألتك عن سبب اختلاف الطبعة الثانية التي بين يدي عن الطبعة الأولى؟
- نعم، الطبعة الأولى احتاجت إلى إعادة القراءة بكل المزاجات، وعندما قرأتها بمزاج النقاد الحازمين رأيت أن أعيد ترتيبها. لاحظ أن الحبكة الأساسية لم تتغير، فقط جعلت الفصول أقصر، وامتنعت عن الاستطراد.
- هل رمزي يتفاعل مع قراء سماوات جائعة؟
- جدا، وأراسل متابعي الصفحة على الفيس بوك بشكل دوري.
- ما الذي يقوله قراء رمزي؟
- إنهم يفضلون الصمت، نصف قرائي من خارج السعودية، وهم لا يعرفونني شخصيا، إلا أنهم أعجبوا بعملي، وهذا كل ما في الأمر. القراء السعوديون منهم من يجالسني ويناقشني، ومنهم من يسأل من أين جئت بملامح (فراس أبو القاسم)؟
تحول فجأة إلى (تركي الدخيل)، وسأل:
- من أين جئت بها؟
- إذا كنت تعرف لعبة (الليغو)، فقد رتبتها من وجوه وصفات شتى حولي وليست حولي. 

استوقفني "عند هذا الحد"، وطلب مني أن أسامحه على المقاطعة، وأن أنتظره في اليوم التالي لاستكمال اللقاء. هل ما زلتم مركِّزين؟ نعم، سأطلب منكم تحميل الرواية من الروابط المنتشرة في هذه التدوينة، والبدء بتصفحها، فلربما احتجتم إلى النص لفهم بقية اللقاء. أشكركم.. أشكركم (هذا ما يقوله الممثل المصري سعيد صالح في: العيال كبرت). 

ميديافاير

إي-كتب 


07‏/09‏/2015

أن تقرأ لوليتا في طهران



للفنان الإيراني فخر الدين مخبري
عثرت على هذا الكتاب أثناء بحثي عن المقالات والكتب التي ناقشت رواية (لوليتا) للكاتب الروسي فلاديمير نابوكوف، قمت بحفظه ولم أنو قراءته، ثم بعد أيام احتجت إلى قراءة بعض صفحاته الأولى لتحريك الوقت ليس أكثر، ثم وجدتني كل يوم أقرأ بعض الصفحات قبل أن أنام، وفي الجامعة، وفي الطائرة، وفي منتصف طابور طويل... لأنه من نوع الكتب الطويلة التي لا تفضل أن تنهيها في أسرع وقت. يغريك بالاحتفاظ به أطول مدة ممكنة وقعُه في نفسك، وثقافته الأدبية، ولغته السردية والشاعرية، وهذا التناصُّ العجيب الذي يحدث بينه وبين الأحداث الحاضرة. 
لم أقرر اقتباس شيء منه إلى الآن، لكن إذا كان لدي ما أحتفظ به، فهو هذا المشهد الحقيقي، عندما تحاول آذر نفيسي تعليم طلابها وطالباتها كيف يرقصون رقصة من تلك التي كان يرقصها الناس في زمن (جين أوستن)، فتشعر بالخيال يطغى على الواقع المؤلم، وكأنك تشاهد المشهد الأخير من (مجتمع الشعراء الموتى)، أو أي لقطة من فيلم أراد مخرجه أن يحرج مشاعرك ويستفزك.


"فأسألهن: هل بينكن من تجيد الرقص الإيراني؟ الكل ينظر إلى (ساناز)، فينتابها الخجل وتتمنع. نبدأ بمشاكستها واستفزازها لتفعل، ونشكل دائرة حولها. فتتحرك بحذر أول الأمر، لنبدأ بتشجيعها ونحن نصفق وندندن إحدى الأغنيات. تذكرنا (نسرين) محذِّرة بأن نخفض من أصواتنا. تبتدئ (ساناز) بحياء خطواتها الصغيرة الرشيقة الأولى، ويتمايل خصرها بتناسق وانتشاء. كلما زاد مرحنا ومزاحنا، ازدادت (ساناز) جرأة، فراحت تميل برأسها ذات اليمين وذات الشمال، وراح كل جزء من جسدها يتنافس في إثبات وجوده وجذب الانتباه إليه. يرتعش جسدها وهي تخطو بخطواتها القصار وتتراقص بأصابعها ويديها. تلتمع في عينيها نظرة من نوع خاص، نظرة جريئة ومغرية معا، نظرة خلقت لتغوي، لتشد إليها الناظر، نظرة سرعان ما تنكسر وتتراجع إذ تنتهي الرقصة، وتفقد (ساناز) قوة نظرتها بانتهائها". 

درَّست الأستاذة آذر نفيسي الأدب الإنجليزي في جامعة طهران والجامعة الإسلامية وجامعة الإمام الطباطبائي. هذا لا يعني أهميتها الأكادمية وحدها، بل أهميتها السياسية؛ فهذه الجامعات كانت أرض الثورة الإيرانية في أواخر سبعينات القرن الماضي، فشهدت آذر كغيرها من المحاضرين والطلاب ما فعلته الجمهورية الإسلامية، وجماعة حماية الأخلاق، والطلاب الثوريون الذي انتموا إلى أحزاب عدة يكاد يصعب أن تجتمع في قاعة تدريس واحدة. لكنها أيضا عاشت سنوات رائعة، ملأى بالفن والإرادة والحرية. في صفها كان اليساري المتطرف يجلس بالقرب من الإمبريالي، والسلفي يناقش روايات هنري جيمس مع التقدُّمي والليبرالي والعلماني، بل ربما اجتمع هؤلاء كلهم في محاكمة جادة لرواية (غاتسبي العظيم)، وكانت الأستاذة هي المدَّعى عليه، وكان القاضي أحد الطلاب. 

عندما قرأت ما كُتب عن هذا الكتاب، لمست سوء فهم عند أكثر الكتاب، فهم يقدِّمون الكتاب بوصفه: أستاذة في الأدب الإنجليزي تجتمع كل خميس مع طالباتها السبع وتدرسهن رواية لوليتا. وأدركت أنه الخطأ الشائع نفسه عند الكثيرين منا؛ كتابٌ يكتبون عن كتب لم يقرؤوها! فالكتاب إذن له شأن آخر، إن ال 572 صفحة التي تفور بين جلدتيه لا تقدم روايات نابوكوف: لوليتا، آدا، دعوة لضرب العنق، فحسب. إنها تقدم وتناقش وتحلل "غاتسبي العظيم" لسكوت فيتزجيرالد، و"مدام بوفاري" لفلوبير أيضا.. تُسقط شخوص "ديزي ميلر" و"السفراء" لهنري جيمس و"الكبرياء والتحيز" لجين أوستن على الواقع الاجتماعي خلال الثورة وبعدها، وقد تجد أن أرانب وقبعات "أليس في بلاد العجائب" للويس كارول مثالا ساخرا للترويح عن النفس، أو لشرح ما يحدث بطريقة المغامرات والأساطير. 


النسخة العربية من ترجمة ريم قيس كبة، منشورات الجمل
"حينما يصبح الشر فرديا وشخصيا ويصبح جزءا من تفاصيل الحياة اليومية، تصبح مقاومته هي الأخرى فردية. ويصبح السؤال الجوهري الأهم هو: كيف للروح أن تقاوم وتبقى على قيد الحياة؟ ويكون الجواب الأهم هو: بالتمسك بالحب والخيال. لقد أفرغ (ستالين) روسيا من روحها وهو يسكب فيها وابلا من الموت "القديم". بيد أن (مانديلستام) و(سينيافسكي) أعادا إحياء تلك الروح وهما يقرآن القصائد لزملائهما السجناء، ويكتبان عن كل ذلك في يومياتهما. يقول (بيللو): ربما أن تبقى شاعرا في ظل ظروف كهذه فهو يعني أيضا أن تصيب كبِد السياسة، وبذلك تكون المشاعر الإنسانية والتجارب الإنسانية والأشكال والوجوه الإنسانية كلها قد استعادت مكانتها الصحيحة في المقدمة". 

كلما وقعت عيناي على عنوان الكتاب، أحس برغبة عميقة في تغييره كيفما أشاء، فبالرغم من أن قرابة ربع قرن بين الثورة الإيرانية وهذه الثورات التي تنتشر في كل مكان من الأراضي العربية، ستشعرون وأنتم تقرؤون "لوليتا في طهران" أنكم تقرؤونها في بلدانكم أيضا، فتحسون برغبتي العميقة، وأنتم تدركون أن "طهران" -بشكل مخيف- يمكن أن تكون أي مدينة أخرى، وأن "مهشيد" و"ساناز" و"نسرين" هن فتيات حقيقيات يمشين بيننا في أطراف الشوارع خائفات من المجهول والغامض والمتسلِّط. 
يرى معظم القراء أنه سيرة ذاتية، وبخلافهم أرى أن تصنيفه صعب، فإذا التفتنا إلى لغة الصراع فيه وتفرد شخصياته وصور أحداثه وصوت الراوي الذي لا يتوقف عن السرد المرتب والمركز و"اللمسة الدرامية" كما تقول آذر، نجد أننا نقرأ رواية طويلة محكمة، وهذا في الواقع ما وجدته. لكن إذا تابعنا القراءات الأدبية العميقة للأعمال الأدبية العالمية وشخصياتها وكتَّابها، سنصنفها دراسة أدبية تأمُّلية. وبالطبع، لن يكون من الصعب أن نراها تحليلا سياسيا، أو -أحيانا- تشخيصا نفسيا ممتازا. لكن الأهم أن الكتاب يمثل وعاء من الذهب الخالص سكبت فيه الكاتبة القديرة وجع أعماقها ووجدان روحها الحرة، بغض النظر عن كونه سيرة ذاتية أو رواية أو أي صنف آخر. 

يبدأ الكتاب برواية "لوليتا"، يرجع خمسة وعشرين عاما إلى "غاتسبي العظيم"، يقف طويلا في عالم هنري جيمس، وأخيرا ينتهي في القرن الثامن عشر مع جين أوستن. 

وددت لو أن بإمكاني تلخيص كل باب في تدوينة، لكن هذا يحتاج إلى إعادة القراءة أكثر من مرة، ويحتاج إلى قدرة خاصة على التلخيص، وأنا لا أتمتع بهذه القدرة. لذا سأوضح انطباعاتي وتأملاتي التي لازمتني أثناء القراءة، والتي كتبت بعضها في أماكن مختلفة. 

تصور أنك تعيش في مدينة كطهران، أو فلتتصور أنك عائش في دمشق أو عدن هذه الأيام، ما سيكون موقفك الشخصي؟ هل ستتجمهر وتصيح حتى ينفد صوتك؟ أم ستخلو إلى أعمالك متناسيا ما يحصل؟ أم ستغادر إلى مدينة أقل إزعاجا؟ هذه هي بعض الحلول المؤقتة التي نستطيع أن نتهمها بأنها (غير مثمرة)، ما رأيك؟ فما الذي كنا سنستفيده من آذر نفيسي لو أنها تركت كتبها وثقافتها وانفصلت عنها وراحت تخترق صفوف المتظاهرين وترمي باللعنات؟ لا شيء. لكن ما الذي فعلته آذر بالضبط؟ 

لقد عاشت آذر عصرها بإخلاص، فهي لم تكن كـ "ساحرها" الذي اعتزل كل الأحداث ولم يخرج من بيته، وفي الوقت نفسه لم تكن مثل "السيد بحري" أو "السيد فرصتي" اللذين حافظا على مواقفهما الثورية وانفعلا مع الأحداث السطحية بالطريقة التي نألفها جميعا. آذر حرصت على بقائها في جامعة طهران؛ لأنها آمنت بأن التدريس هو فرصتها الأخيرة لتقديم شيء إلى بلدها. وفي جامعة طهران درَّست روايات عالمية كانت ممنوعة بوصفها إباحية وغير إسلامية آنذاك، وحاولت أن تعيش الواقع السياسي المزعج في أحداث هذه الروايات. وأيضا، لم تكن خيالية لهذا الحد، بل واجهت تفاصيل ما يحدث خارج الجامعة وخارج بيتها وحتى خارج مدينتها بكل هدوء، وبكل غضب، وبكل استسلام، وبكل تمرد، وبكل ارتباك في كثير من الأوقات. 

والآن، دعونا نتعرف إلى العلاقة بين "لوليتا"، و"طهران"...

"لوليتا" في "طهران" مظلومة ومضطهدة كما كانت "لوليتا" في عالم "همبرت همبرت". فهي لا تعرف ما الذي يدور حولها، وهي ضعيفة، وهي مرغوبة، وهي مرفوضة، وهي مطاردة، وهي مراقبة، وهي جميلة وحرة فقط في أعماقها. "لوليتا" تبحث بقلق قبل أن تخرج إلى الجامعة كل صباح عن خصلة شعر سقطت من إيشاربها. "لوليتا" تُفتَّش كما يفتش المجرمون عند البوابة. "لوليتا" توقع محضرا لأنها ركضت في الحرم الجامعي. "لوليتا" تطرد من الجامعة لأنها ضحكت بصوت عال. "لوليتا" تُسجن وتعذَّب وتغتصب. "لوليتا" تخرج من السجن للتتزوج من رجل لم ترضه. "لوليتا" تُعدم. "لوليتا" تُرجم لأنها زانية. "لوليتا" لا تشاهد التلفاز. "لوليتا" لا تأكل الآيسكريم في الشارع...
هذه بعض مظاهر المرأة في إيران طيلة سنين الثورة، و"المرأة" هي آذر، وتلميذاتها: "نسرين"، "مهشيد"، "آذين"، "مانا"، "ساناز"، "ياسي"، "ميترا". وكل امرأة قدر لها أن تقاسي الاضطهاد والعبودية في ظل الأنظمة الشمولية، وأعني هنا "الجمهورية الإسلامية" في إيران كما وصفتها آذر في معظم مواضع الكتاب. 
في تلك الأيام، كانت تسير سيارة تويوتا البيضاء، وفيها رجال ونساء من الشرطة لـ "حماية الأخلاق"، فيقبضون على أية امرأة تمشي مع رجل أجنبي، ويرصدون انضباط النساء وطريقة لبسهن للحجاب، يلاحظون لون الجادور وحجمه وكم عضوا مثيرا يبرز منه، يلاحقون الرجال والنساء إلى بيوتهم، وربما دخلوا عليهم ليتأكدوا من أنهم لا يشاهدون التلفزيون. 
وفي تلك الأيام، كان الكثيرون متهمين بالـ "غربنة"، وكانوا يطردون من الجامعات في أحسن الأحوال، إن لم يُعدموا علنا بلا رأفة. وكان يعيش "الرقيب شبه الأعمى"، وهو الرجل الذي يقرر ما الذي سيُذاع ويُعرض بالرغم من ضعف بصره الحاد، هو الرجل الذي يعاني منه المخرجون في هذه الأيام، والذي يعاني منه المطربون، والكتَّاب، والفنانون عموما. 

إنها أحداث تجذبك إلى معايشتها مرة أخرى؛ لأن تكرارها يثيرك. تتماهى معها، فتكتشف وأنت تقرؤها أنك تقرأ "لوليتا" في جامعتك، وقريتك، ومحيطك. ثم تعوزك الحلول، فتفضل الاستمتاع بلغة آذر نفيسي الخلابة. أنا الآن ألمس هذه الحاجة إلى قراءة "أن تقرأ لوليتا في طهران"؛ لفرط التشابه بين واقع آذر وواقعي وواقعكم أيضا. وأستطيع أن أزعم أن كاتبا آخر سيحتاج إلى قراءته في 2030 أو 2050. هذا إذا لم يجده محجوبا أو ممنوعا من الأسواق. 


دعونا الآن نعد إلى ما فعلته آذر بالضبط. لقد اختارت الفن واقعا مشابها لكنه يختلف بكونه فصيحا وجميلا. في الفن، وجدت آذر وطالباتها الخائفات ملاذا. والإنسان يشعر بالأمان عندما يقرأ الذين يشبهونه. وهذا الموقف -أعني التوجه الفني- هو في رأيي الموقف الحقيقي و"المثمر". فما الذي يفعله الناس في الثورات غير أن يموتوا أو يصمتوا أو يثرثروا باللوم والنقد والاتهام؟ بإمكانهم أن يكونوا فنانين. فالفنان هو الوحيد الذي سيحتفظ بأوجاعه وسيبقى بعد أن يفنى الجميع، وحتى بعد أن يفنى هو. والفنان هو "اللامنتمي"، وهو الذي سيدرك مستقبله. والفنان هو الذي سيصف ويقاوم ويشعر، ثم يخلِّد شعوره هذا إلى الأبد. إننا نستعيد "محمود درويش" عندما توجعنا ذكرى القضية الفلسطينية، لكننا لا نذكر الأشخاص الذين فضلوا التذمر وحده. ونقرأ "نزار قباني" هذه الأيام ونسخر معه من "الحكام العرب"، ونقرأ "نابوكوف" أو "جويس" ونعرف من خلالهما عصرهما، وكيف ماتا ولم يموتا فينا!

فما فعلته آذر هو ما يحسن بالثوَّار المثقفين أن يفعلوه بدل إزعاجنا يوما بعد يوم بتنبؤاتهم وإحصاءاتهم التي بات الجميع قادرا على الإتيان بمثلها. لا تريد الشعوب إلا أن تصرخ، فمن ذا الذي سيكف عن الصراخ وينقل صراخ الأطفال الجوعى ومئات السوريين الذين غرقوا قبل أيام؟ من ذا الذي سينقله إلينا وإلى من بعدنا؟ هل هم المثقفون الذين يئسوا وفضَّلوا العويل مع الآخرين من العامة؟ أم أمثال آذر التي عاشت كما عاشت العامة وبقيت كما يبقى الكتَّاب؟

قراءة لوليتا في طهران تطول، وكم كنت أنوي أن أقتبس الكثير من المقاطع والسطور التي تستحق الاقتباس، لكنني أخشى أن أطيل عليكم. هذا هو الوقت المناسب لقراءة لوليتا في الوطن العربي لمن يهمه الأمر. وهو الوقت المناسب لنغير مواقفنا السطحية تجاه المآسي التي يكابدها إخواننا المنكوبون، فلا يجدر بنا إزعاجهم بالمزيد من الصراخ، وما يجب فعله حقا هو أن نعلمهم كيف يحاربون الموت بالفن. 


* قدمت دراسة نفسية لرواية لوليتا في هذه المدونة على هذا الرابط



06‏/09‏/2015

حقائق علمية







ليس عيبًا يا صديقتي أن نحتفلَ بكوننا أحياء. أن نحتفي بفساتيننا الجديدة وأن نضع أقلام الحمرة ونقبّل المرايا.
ليس عيبًا أن نجهر بخوفنا من رجال الأمن وحواجز الشرطة. أن نوارب بهويّاتنا ونبتسم بخبث. لا بأس أن تأخذنا موجةُ "عمّرها" العمياء أحيانًا فنصدّقَ أنّ ما هُدمَ سيعودُ بشيءٍ سوى الحب. ليس عيبًا أن نكرّر أعيادَ ميلادنا ونتبادل الهدايا ونضع القبّعات الملوّنة ونرقصَ كالمجانين المذبوحين على أغنيةٍ أجنبيّةٍ صاخبه. ليس عيبًا أن نغنّي حتّى لو قالوا لنا "اصمتوا" فليصمتوا هم، فليُخرِسوا أصوات عفنهم! ليس عيبًا أن نُحيي الأمواتَ بالموسيقى ونرشّ الشوكولا على أجساد الشّهداء بدل الرزّ والورد. سيقولون أن الزّغردة حرام وسوف نزغردُ قائلين أنّنا منحلّون دينيًّا ومع ذلك فإننا ذاهبون إلى جنّة الله الرحيم. ليس عيبَا يا صديقتي أن نلتقي كلّ أسبوع، لا لنسبرَ الأحداث المأساويّةَ بل لنتشارك كوبًا من "البيبسي" وطبقًا كبيراً من الفوشار المتبّل بالسُمّاقْ. ليس عيبًا أن نتفاعل مع ضحكة الأطفال وأن نركض في الشّارع الذي لم تصبهُ قذيفةٌ بعد. ليس عيبًا أن نبكي لأن هناك مغفل يغنّي بصوتٍ شجيٍّ ويتعمّق في حنينه. ليس عيبًا أن نستيقظ كلّ صباحٍ ونحنُ نحبّنا، نعدُّ كوبًا من فيروز، "سندويشاً" من الزّعتر المحُضّر منزليًا، نلعق أصابعنا المليئة بمعقودِ العنب ونصلّي تجاهَ قبلة الضوء والبقاء. ليس عيبًا أن نبصق في وجه العالم ونرقص.
ليس لديكِ كعبٌ عالٍ؟ فلترقصي حافية!
ليس لديك رجلين؟ فلترقصي بجناحيك!
لكن لا تنكسري.


على الهامش: "نحنا خلقنا حتّى نعيش
مش همّ نكون دراويش
ما بدنا مخدّة من ريش
بدنا من الدّنيا نشبع"


يتم التشغيل بواسطة Blogger.