27‏/04‏/2016

تصبيحةٌ ساهرة






يتلوّنُ الوقتُ بألوان وجهكَ التي لا أحصي عددها، وإذ أبدأ بهذا التعبير تلومني ستارتي السكرية التي كانت تقفُ على الأرض قبل أن تعود للطيران بفعل الهواء الذي هبّ جزيلًا قبل قليل. أخبرتُها ألا تقلق، فقد اجتزنا -أنت وأنا كمجنونين رائعين حقًّا- سخافة التفسيرات الحرفية والمعاني الموروثة. الآن لون الوقت يشبهُ لون عينيك قبل أن تغفو بخمس دقائق بعد نعاسٍ مفرطٍ وطويل. ألمحُ الخيط الأحمر الرفيع الذي يتدلّى من ساعة الحائط البيضاء، وأرى أن هناك الكثير من العلامات الموسيقيّة التي تتجمعُ عليهِ لتشكّل تهويدةً لطيفةً تمامًا، تعملُ عملَ "الكريم المطرّي" الذي يخفف آثار التعب، ويعطي الجلد الرقيق رائحة عودٍ عريضٍ من الفانيليا. هل تدركُ كم أنّ الوقتَ إنسانيٌّ الآن؟ ويكاد يحلمُ أيضًا؟ لولا أنّ عصفورًا يقفُ على النافذة ويحكي ويقولُ لي: "يا نونو" كما يفعلُ دومًا. لكنني لستُ قادرةً الآن على منحه كتفي، ولستُ قادرةً أن أدلّهُ على الشمس أو أعيد يقينهُ بالغابة البعيدة، أو أقول لهُ أن الجبل يحمي. نحنُ مكشوفون جدًّا ونكادُ نكون عراة حفاةً جائعين، ولا بأس في ذلك لو أنّ شوارع العالم لم تكن معبّدة بالحصى الناتئ، ولو أنّ خير الزاويا الصغيرة لا يُنهَبُ أيضًا. يصرّ العصفور: "يا نونو!" ويخفقُ بجناحيه. يمدّهما ويضمّهما بطريقة شهيّة، ثم يقفزُ بخفةٍ جيئةً وذهابًا على رصيف النافذة الضيق. أشربُ القهوةَ كمن يحاولُ أن يغرق في سوادٍ يكفيه شرّ هذا الوهجِ المتحرّك، لكنه يصر -يصرّ كثيرًا-، وحين أقومُ من مكاني، أجرّ نفسي ببطء شديدٍ وأستحضرُ روحي بكلّ ما فيها من حكمةٍ غليظة. أقولُ له: "مابك؟ لا غابة أيها الأحمق. لا سماء أيضًا". يضحكُ العصفور: "لا أريدُ أيًّا من هذا!"
"إذًا؟" أرفعُ حاجبي الأيمن الذي اكتسبَ لونهُ من أشعة الشمس المنعكسة بضآلة. يرفرف: "خبّيني عندِكْ خبّيني، دخلك يا نونو"!


على الهامش: لا تتأخر عن الغناء أيها المصابُ بعيارٍ ناري.







يتم التشغيل بواسطة Blogger.