05‏/09‏/2015

فلماذا نموت؟




لا أحد منا لم يسأل هذا السؤال الوجودي: لماذا نموت؟ ولا أحد منا الآن يستطيع أن يقاوم توقا شديدا في داخله إلى معرفة الإجابة. طالما نملك التقنية والعلم الحديث والأسباب التي لم يكن يحلم بها إنسان عاش قبل مائة سنة، فلماذا نموت؟ 
لكن هذه بداية غير جيدة، فهي ستغرينا بالخوض في الافتراضات والأساطير التي لا تقدم لنا شيئا. نعم، إن من حقنا أن نلتزم بموقف أو فلسفة أو مذهب يجيب على أسئلتنا عن الموت، لكننا هنا سنتكلم بلغة العلم وحدها. لذا سنبدأ بهذه الملاحظة: إذا كان الانتخاب الطبيعي natural selection يسعى في كل حالاته إلى الحفاظ على بقائنا والتحسين من آليات تفاعلنا مع البيئة التي نعيش فيها، فلم لا يسير في خط يجعلنا نزداد عمرا كلما ازداد نوعنا البشري وجودا على هذه الأرض؟ قبل ثلاثين ألف سنة -مثلا- لم يكن دماغ الإنسان بحجمه الحالي (تقريبا 1.3 كجم)، بل كان أصغر بكثير، لكنه أخذ يتطور باطراد مع قدرة الإنسان على المشي منتصبا واستعمال يديه. أما سن الموت، فلا يكاد يزداد إلا قليلا، ما السبب؟ 

الانتخاب الطبيعي يعمل لصالح المورثات (الجينات) وحدها. هذا يعني أن غاية الانتخاب الطبيعي الرئيسة هي نقل أكبر عدد ممكن من المورثات إلى الذرية في فترة زمنية هي حياة الإنسان. وهذا يعني أيضا أن كل ما لا يتعلق بهذه الغاية (طول العمر مثلا) غير مهم بالنسبة له neglected. لذا نقرأ في كتاب ريتشارد دوكينز عما يدعى"الجين الأناني selfish gene".
هذه النظرية (1952) تعرف بنظرية "تراكم الطفرات Mutation Accumulation" أو نظرية "ميدوير Medawar's theory"  التي تعد من أول النظريات الجيدة في تفسير ظاهرة الموت أو ظاهرة عمر الكائنات الحية المحدود. والتي طورها عالم البيولوجيا التطورية جورج وليامس في 1957 إلى نظرية "متعددة المفاعيل  Antagonistic pleiotropy".
قوة الانتخاب الطبيعي تصبح أضعف مع التقدم في السن، أي بعد الوصول إلى سن التكاثر وإنجاب الذرية (تمرير المورثات إلى الذرية) لا يعود الانتخاب الطبيعي مهتما بالإبقاء على حياتنا، طالما حققنا الغاية الأسمى من وجودنا البيولوجي: نقل المورِّثات. والطفرات المتراكمة هذه هي نتائج نشاطاتنا التي استطعنا في سن الشباب أن نقوم بها بكامل صحتنا وقوتنا، الآن نحن في سن الشيخوخة senescence لا نستطيع القيام بها. فمثلا، هرمون التستوستيرون Testosterone ضروري للرجل لكي يكون أكثر نجاحا في حياته الجنسية وأكثر تفوقا على أقرانه من الرجال، لكن من آثار زيادة هذا الهرمون في سن متأخرة أنه يزيد خطر الإصابة بسرطان البروستات. (ديفيد بوس، علم النفس التطوري). إذن، فنحن سنستمتع بحياة جنسية مثمرة وممتعة في سن الشباب، لكن الكثير من الطفرات ستتولد في غيابنا، ثم ستدهور صحتنا كلما كبرنا. 
وبالرغم من أن الانتخاب الطبيعي قادر على تمديد عمرنا إلى ألف سنة -هذا افتراض نظري صحيح- إلا أن هذا ليس من غاياته، فهو كما قلنا، سيحافظ على بقائنا وصحتنا إلى أن ننقل أكبر كم من المورثات (الصفات الوراثية، الجينات) إلى الذرية، وبعدها سيكثف اهتمامه بجيناتنا التي صارت الآن في أبنائنا أو أحفادنا الشباب... وهكذا يعمل. 

"دعونا نفكر في امرأة في سن العشرين وأخرى في سن الخمسين، يعمل الانتقاء بشدة أكبر على المرأة الأصغر سنا، طالما أن أي شيء يحدث لها قد يؤثر على معظم سنوات الإنجاب المقبلة عندها" (المرجع نفسه، ص222). فلو أن مورِّثة gene صارت نشطة في سن العشرين، وكان من نتائجها أن تؤثر على وظيفة القلب، أو الجهاز المناعي، أو الخصوبة، سيقاومها الانتخاب الطبيعي بشدة أكبر في المرأة الأصغر سنا مما لو نشطت هذه المورثة في سيدة بلغت سن اليأس. لأن أمام المرأة العشرينية مستقبل تكاثري طويل يحتمل أن تنجب فيه الكثير من الذرية، أما السيدة الخمسينية فلا يهم الانتخاب الطبيعي أن يحميها طالما لم تعد لديها القدرة على الإنجاب. هذا يبدو ماديًا وقاسيا، لكنه جانب يجب الالتفات إليه من حياتنا.
نظرية الطفرات المتراكمة تفسر لنا كيف تتلف أنظمتنا الحيوية في وقت واحد، وكيف يبلغ الإنسان في كل الحضارات والمجتمعات -وتقريبا كل العصور- الشيخوخة عند معدل عمر لا يكاد يتغير إلا قليلا. وأيضا تفسر لم يموت الرجال غالبا قبل النساء، فالرجال الذين هم أقدر من النساء على تمرير المورثات يستفيدون من محاباة الانتخاب الطبيعي لهم في سن مبكرة، ومن ثم يتعرضون أكثر من النساء للآثار الجانبية لهذه المحاباة. المرأة تنجب مرة واحدة في العام، بينما يستطيع الرجل أن يحصل على أكثر من مولود في العام الواحد. 

فنحن نموت؛ لأننا نشيخ، ونشيخ؛ لأننا لا بد أن نفعل هذا! فصحتنا ستصبح أكثر عرضة للأمراض والآفات، والانتخاب الطبيعي الذي كان يحمينا منها في سن الشباب لم يعد يأبه بنا. ثم الانتخاب الطبيعي يضعف كلما تقدمنا في العمر؛ لأنه سيبحث عن مهمته (نقل المورثات) في أشخاص أكثر شبابا وأقل أمراضا. 
وإذا ذهبنا بعيدا، وسألنا عن علة الموت نفسها، فستكثر النظريات، وستكبر الحيرة. لكن هناك افتراضات منطقية ستساعدنا، فما الذي سيحصل لو أننا لا نموت؟ وكيف سيكون حال الأرض لو أننا جميعا أحياء أصحاء، هذا يشملنا نحن البشر وغيرنا من الأحياء سواء كانت بهائم أو نباتات أو كائنات مجهرية. بالتأكيد، يحد الموت من هذه الكارثة التكاثرية التي ستتدمر الأرض وستملأ البر والبحر بالمخلوقات اللاهثة الباحثة عن الطعام والمتنافسة على الجنس والسلطة والثروة... إلخ.

وأخيرا، يجب الحذر أثناء تعاطي مصطلح عميق كـ "الانتخاب الطبيعي"، فهو ليس قوة مادية، أو روحية، وهو ليس شخصا أو إلها، وهو ليس إلا قانونا طبيعيا سائرا في الطبيعة، وهو "لغة" مجازية عبر بها تشارلز داروين عن آليات وتقنيات الحياة المختلفة. 
ثمة نظريات أخرى لتفسير الشيخوخة، لكنني اخترت نظرية ميدوير ووليامس لقوتها وسهولة فهمها.

بعد كل هذا، هل نستطيع أن نطمئن وندعي أننا أجبنا على سؤالنا القديم: لماذا نموت؟ 


أنا قلقة


 




* قلق على المصلحة العامة:
 هل مات الوطن؟ سأل مواطن صالح ونام. حين استيقظ وجد رسالة صغيرة كتب فيها "أنت المقبرة". قلب الورقة عدة مرات. بحلق فيها وابتسم غير مدرك لما يحصل.
 لقد جاء الجواب متأخرا جدا في الوقت الذي كان قد نسي فيه السؤال وقام ليقتله مرة أخرى.


* قلق على الطرق التي لم تثر بعد:
المفرق المهجور الذي تودعنا عنده لم يكن الأخير. لقد نبتت على جوانبه زهور صغيرة وصار الأطفال يلعبون على ترابه ويجمعون الدود ويتساءلون عن لونه وجماله. المفرق المهجور تعافى من بلادتنا ومن كوننا لم نقدر ما معنى أن يبتسم العالم وينحني ويمنحنا مكانا خاصا.
لقد سحب منا هذا الامتياز ونحن الآن في زاويتين ضيقتين لا نستطيع فيهما أن نتعانق ولا أن نبكي.


* قلق على شجرة تقية:
بروحي شجرة قديمة ودائمة الخضرة. كانت أفضل شيء قدمه الله إلي لكنه أخبرني أن أجلس تحت فيئها وحدي لتدوم علي النعمة.  ما يضر لو أنني أشرح له أنني توحدت فيك وأن عليه أن يسمعني قليلا وأنا أشرح له استمتاعي الشديد إذ أدعوك قائلة "تعى نئعد بالفي"؟

* قلق على تاريخ مشوه:
 
في عينيك شراسة الحرب اﻷولى وبرودة الهزيمة الأخيرة وما بينهما ضحايا ومشردون وبنية تحتية لا يعاد إعمارها. سيكتب التاريخ عن وطنك الضائع تحت دمار الحزن والخيبة. وسوف يقولون "لو أنها لم تكن شرسة" وهذا الاستفزاز لن يكفي لترفعي أهدابك قليلا  وتدافعي عن كل الجروح التي تقبلتها سماواتك برحابة. لا أحد سيفهم أمومتك فنامي بسلام.  نامي.

* قلق على أناتك المتضخمة:
عليك إذا أن تعرف وأنت تقف بيني وبيني أن هذا الوقت غير كاف لنتفاهم وأن المكان الذي تختار أن تنحشر فيه لا يتسع لك. إنك تجثم فوق أنفاسي وتسألني بكل حماقة إن كنت بخير أو لا.

* قلق من فداحة التكوين:
 
يقلقني أن الأرض تدور وأننا لا بد أن نلتقي مرة أخرى.  أظل أحسب في خيالي كم بقي من الخطوات. وكم هي المسافة التي تفصلنا. هل نسير باتجاه بعضنا أم نتدحرج؟ وهل سوف أراك في القميص  الذي تحول إلى بحر حين قبلتك في السنة الماضية؟ هل سوف تدور الأرض هذه المرة بسرعة لا تتناسب مع هدوئنا فننزلق ولا نتصافح حتى؟  
أتمنى بكل بساطة لو أن الأرض كانت مربعا. نحجز فيه زاويتنا ونقضي بها بقية عمرنا الهزيل. أنت في قميصك الأزرق وأنا في داخله.


على الهامش: "مش عاجبك لون السما؟ بمحيها، برجع برسما"
ليس لهذه الدرجة. قلنا أنني قلقة فقط! 


في لحظات عاطفية متفرّقة (1)






* "حبيبي يا عمر جديد
زهّر فيي أحلامي"!
ولا بأس أن تقتلها أيضا
يحقّ لك ما لا يحقُّ لسواك
يحقُّ لك أن تقتات عليّ وتمصّ عافيتي
سأبتسمُ في وجهك وأعطيك أكثر قبل أن تسألني "هل من مزيد"!


* رسمتَ لي دائرةً وقلتَ لي "تعالي نرقص في داخلها"
جلبتُ ممحاة، أحدثتُ طريقًا صغيرًا وقلتُ لك "في هذا الفراغ نرقص"!


* "تئلّي بحبّك
ئلّك عيد
عيد يا حبيبي عيد"
وفي الإعادة إفادة وحقول شوكولا وآلافُ الأوطان الخام التي نشكّلها كما نريد
أنا سأصنعُ وطنًا يشبه الوريد النّافر في يدكَ اليمنى. وأنت؟



* جاء أيلول فجأةً
عبرَ فوق أجسادنا بخفّةٍ وجلس بيننا كما يفعلُ الأطفالُ النّزقون، وحين اعتقدنا أنه نام وقلتَ لي هامسًا
"أعطيني قبله" تنحنحَ وقبضَ على ذراعك قائلًا " لا تقلق، لا تستعجل، سيأتي المطر"


* لا تعدني بشيء
إنني أتفهّمُ  تمامًا صعوبة هذه الأشياء في عالمٍ متآكلٍ كهذا!
لا تبق قربي حين تعجزُ عن ذلك، وحين تشعرُ أنك غير قادرٍ على تحمّل صعوبة عقلي وحالتي المزاجيّة المتخلّفة
لا تحاول أخذي نحو عالمكَ حين أنهارُ وأبكي إذا لم تكن قادرًا على أن تنهار معي!
لا تفتح صندوق ضعفي وتخرج أشياءهُ وتطيّرها في الهواء إذا لم تكن قادرًا على إعادتها نحو الصّندوق من جديد!
لا تعدني بأن تجلبَ لي الشوكولا وتأخذني في نزهةٍ بريّةٍ كما أحبّ حين يكون مزاجكَ متجهًا صوبَ مطعمٍ شعبيٍّ
أو شارعٍ مزدحمٍ بالأضواء!
لا تكن ثقيلًا
فقط، كن صديقي.


* تزعجني هذه الذّبابةُ التي تصرُّ على الطّنين
لقد قتلتها ولم أتخلّص من صوتها بعد.
تزعجني لأنّها تشبهك!


* لن أستيقظَ حتى تقول لي أنني شمسكَ ونهارك
ألا يجبُ أن أشعرَ بغايةٍ نبيلة من وراء استيقاظي؟



على الهامش: صدرُ القلب لك والعتبةُ أيضًا!
 

03‏/09‏/2015

كي لا نموت


 By Stanislav Plutenko

اقرئي لي 
ودعي جسدي
وتناسي شهقتي ويدي

اقرئي لي
كي نعيش معا أبدا 
في غمرة الأبد

تحت جلبابك معركتي
وبأفكاركِ كلُّ غدي


02‏/09‏/2015

المؤقَّت


اللوحة للرسام الهولندي إدوارد كوليَر
ولد إدوار كوليَر في مدينة هولندية تدعى بريدا عام 1642، أي في أواخر أيام فن الـ Vanitas أو Still-birth بعد أن ازدهر في هولندا في هذا القرن والذي قبله.  وهو في لوحته هذه يصور ما يصوره رساموا الفانيتاس غالبا، جمجمة تشير إلى الوجود البشري المؤقت، وبعض مظاهر الحياة التي غالبا ما تتنوع وتشمل الكتب، الآلات المختلفة، الساعات الرملية، والورود. 
الوجود البشري المادي في هذه الحياة مؤقت حقا، وهو لا يكفي جماعة من الناس تريد أن تعيش أكثر من عمرها، وهذا تقريبا هو الدافع الأول للفن في كل الثقافات. نحن أمام مشكلة لازمت الإنسان من أول يوم، وهي إدراكه لحقيقة الموت، ونحن أمام بعض الحلول القليلة جدا لهذه المشكلة القديمة كل القِدم. 
ما هي حلول الإنسان بمختلف مستوياته وثقافاته وبمختلف عصوره؟  
لقد حاول أن يحارب ويستعمر ويجمع الأموال ويسخِّر العبيد لخدمته والناس لطاعته، وحاول أن يبني المدن والقلاع والقصور والحدائق، وحاول أن يغري الشعراء بذكره في قصائدهم، والرسامين بتخليد صورته في لوحاتهم، ونقشَ الأسماء والتواريخ على العملات، وشجع بناء التماثيل وتجسيد المعارك والإنجازات... وفعل الكثير مما سعى يوما بعد يوم في تأسيس ونشر الحضارات، وإعطاء كل فترة زمنية سمة وملامح لا تختلف في كثير عن الفترة التي قبلها والتي بعدها، لكنها تتميز عنهما بالضرورة.
الموت هو الذي سيحيي الحضارة بلا شك. ولكن، إذا كان هذا شأن جماعة قليلة من الناس الذين أدركوا أن وجودهم سيصير هباء فحاولوا البقاء بطرق شتى، فما شأن الآخرين؟ 
الآخرون أيضا مولعون بالخلود، وهم غارقون في أمنياتهم بأن تستمر حياتهم وتتخطى عقبة النهاية المؤلمة التي هي نهاية مصيرية لا مهرب منها. لكن سلوكهم في طلب البقاء يسير في طريق مادي صرف، فهم لا يفتأون يتكاثرون ويتكاثرون، مدفوعين بحلمهم اللاواعي بالبقاء الدائم في ذريتهم، سواء بالصفات الموروثة أو بالذِّكر. 
حياتنا اليومية توضح كل هذا. ففي كل مكان من العالم كل يوم ستجد إنسانا يريد أن يحافظ على حياته بكل ما يستطيع، فهو يعمل، وهو يتفنن، وهو -للأسف- يقتل ويبيد كل من ينافسونه، وهو يتفاعل مع الإنسان الآخر، ويصنع معروفا مع صديق مقرب، وطبعا يكوِّن أسرته ويحميها ويدبر لها رزقها. وفي النهاية، ستجد إنسانا يحاول أن ينسى أنه سيموت. 

لكن إذا ألقينا نظرة سريعة على فترة زمنية مضت وحاولنا تأملها قليلا، ما الذي سنخرج به؟ 
لندخل في العصر الأندلسي مباشرة (711 - 1492)، أقلنا معرفة ربما سيعرف على الأقل اسم شاعرين عربيين، وبعض الآثار مثل نافورة الأسود في قصر الحمراء، وقصر قرطبة. أما الذين أحبوا هذه الحقبة التي حكم فيها المسلمون الأندلس، فسيعرفون الكثير من الشعراء والفلاسفة ورجال الدين، وسيسترجعون الكثير من المعالم في كل مرحلة من مراحل هذا العصر الجميل. 
السؤال هنا؟ ألم يعش في العصر الأندلسي إلا هؤلاء؟ والجواب قطعا لا. وما نذكره الآن هو ما حصلنا عليه من الكتب وغيرها من طرق نقل الحضارات. فهل من الحظ أن شاعرا كابن زيدون يحظى بكل هذا الوجود بيننا ولا يحظي به "ابن زيدون" آخر كان يبيع الخضار في أحد أسواق غرناطة؟ أو "ابن زيدون" آخر كان خياطا في دكان متواضع بحي صغير من أحياة إشبيلية؟ كلا، ليس من الحظ، وبالرغم من أن كل واحد من هؤلاء سعى باجتهاد لأن يبقى، إلا أن الذي حظي بطول العمر وعاش إلى 2015 وسيعيش إلى أبعد من هذا هو ابن زيدون الشاعر الجميل. 

وإذا عدنا إلى لوحة كوليَر في الأعلى، ما الذي سنرى؟ الذي استطعت رؤيته هو: أوراق خضراء، جمجمة، عظمة كبيرة، آلة موسيقية، دورق أنيق، كتابان أحدهما ضخم والآخر صغير، دفتر، ورقة، وكتاب في الخلفية إلى جانب ساعة رملية، ما يشبه كيس النقود، بوصلة... وأشياء أخرى. إنها هي ممثل الحياة البشرية، ووجود الجمجمة بينها هو رمز الفناء المادي، ووجودها حول جمجمة تقضم عظمة هو رمز البقاء الأثري بعد أن يعيش الإنسان سنينا معدودة من الصراع. 




01‏/09‏/2015

على الهامش..




كنت قد فتحتُ مربّع الكتابة وفيّ بحرٌ من الكلام لا يهدأ
كنت أريدُ أن أكتب مواساة عميقة لنفسي أشرح فيها عن حقّ الإنسان بالضعف والانبطاح تحت غطاء الحزن وليس في يده 
رصاصة واحدة يطلقها في جسده ويرتاح!
كنت أقول أنّ كلّ هذا شيءٌ طبيعي لأننا بشر ضعفاء وجبناء ولا نحفظ من القرآن إلا عبارة "وبشّر الصابرين"
كنت أحرّك شعري بطريقةٍ متعجرفة دون أن أكترث للعصفور الصغير الذي بنى عشّه في رأسي بالأمس. دون أن أتساءل عن مصيره وقد ولد منذ ساعات فقط!
كنتُ أودّ أن أخترع فلسفة متخلفة تشبه نداءات أم كلثوم التي لا تلقى جواباً في معظم الأحيان. تشبه حزن فيروز الغير مفسّر كلما "سلّمت عليه" وادّعت أن قبلة عينيه لا تعنيها.
كنتُ أريد أن أستحضر أبي لأشرح له غضبي النّزق والجرحين اللذين نبتا في روحي فجأة.
لكنني حين تنبّهتُ لنور الشمس يتسلل عبر نافذتي هادئاً ومبتسماً كأنّ العالم لم يمسسه سوء
ضغطتُ على زرّ المسح وقررت أن أكتب 

ونحنُ نحجّ إلى الحياة ما استطعنا إليها سبيلا
فامنحنا يا الله جنتك الآن. بعضًا منها
جزءا منها 
فقد عطشنا وجعنا وأخذتنا الحاجة نحو أن نتوحش أكثر 





على الهامش "شلحُ زنبقٍ أنا" اكسرني يا الله على ثراي .



يتم التشغيل بواسطة Blogger.