Guy Pène du Bois |
ترد بهدوء: "سينكسران يا عزيزي، إنهما وحشان.. لعنتان".
الهواء من حولهما غير عطِر. سيرى الملاحظ الجيد ذبولهما، لكن ليس في السكون الموحش بل في الأكتاف الهابطة، فكأنهما مقيدا اليدين أو كأن رأسيهما فراغ. الضجيج الذي يحيي المقهى يميتهما. الطاولة ليست مرتاحة أبدا.
اختار الرجل أن يغيِّب وجهه الآثم، واختارت الأنثى أن تُشهد الوجود على غضبها.
يا له من مشهد لزج ومُتعب. كيف جاءا معا بكل هذا الجفاء؟ يحزرُ قائلٌ: "خيانة". آخر: "حملٌ غير متوقع". آخر: "رتابة".
أما هو فيقول وأنفاسه منكمشة: "هذا عذاب لا أحتمله. اسأليني. الفظي فكرة". يقول هذه الجمل القصيرة وعينه تتابع أنثى مستسلمة لذراعي رجل.
تقول: "لا أفكار لدي. كم شهرا سحقَ فمي في غيابك؟ إنك لا تدري. لقد تغيرت".
الرجل مسترخيا: "الناس يتغيرون".
الأنثى: "لم أعد أفهمك. كنت أقول لك قبل أن تعرفني إنني لا أفهم كلامك. لكنني كنت أدرك جيدا ما يقوله جسدك، أحفظ حاجاتك وأتنازل كل يوم عن حاجاتي لأشبعك، ثم.. ثم أكتشف أنني أحاول إثارة رجل خامل".
الرجل جادا: "أنا أعطيك ما أستطيع. أنا لست بطلا سينمائيا يضيع عمره في شراء الشوكولا لفاتنته. أنا أؤسس لعلاقتنا بيتا في الزمان".
الأنثى لاهثة: "أوف! اخرس. لا تتحدث بهذه الطريقة التي تشعرني بالبلادة".
الرجل: "لن أفعل. فهل ستخبرينني ببساطة لم صرت كثيرة الغضب ومضجرة؟".
الأنثى: "جيد، أنا مضجرة. أنا أحترق.. أحترق وأنت تتثلج على سريرك وتفكر في مصيرنا بعد ألف عام. يبدو أنني معتوهة لأنني صبرت على برودك عاما كاملا".
تستعيد قدرتها على الكلام: "قلت لك إنني بحاجة إلى غيرتك!".
يرخي قبضة يده: "أظن أنني شرحت لك مئات المرات أن ما تريدينه أمر تافه وغبي. أنت تتعلقين بتراث انتهت الحاجة إليه. تجمعين قطع لوحة غير مفهومة. اسمعي يا حبيبتي، إن كنت تهوين مذاق الألم الذي يوقعه رجل بأنثى فأنا لست رجلك. وإلا فما هي الحاجة إلى الغيرة الآن في عصر القانون والشرطة وأوراق الزواج والأمراض الجنسية؟".
الأنثى تصمت.
الرجل: "تستطيعين أن تخرجي مع صديق في نزهة. لن أمنعك من تغيير بعض الروتين اليومي الكئيب معي. لأنني لن أعمل بهلوانا طول الأسبوع أحاول إرضاءك". يشرب بقية الشاي: "هذا ما لدي. أنا لست إنسانا بدائيا. لقد كان البدائي يغار لأنه لم يكتشف بعد اختبارات الحمل والتحليلات الجينية التي تؤكد أبوَّته أو تنفيها".
الأنثى صارخة: "حقا؟ حقا؟ هل تصدق هذه الحماقات؟ ستقتلني".
الرجل بهدوء: "هذه هي الحماقات التي تريح أعصابي. أخبريني، هل تلك الأنثى التي تخضع لقبلات ذلك الرجل صادقة اللذة والصراخ؟ كلا. إنها تاجرة جيدة وقد أفلحت تجارتها عندما وجدت مشتريا بدائيا. كلاهما يعيدان القصة نفسها منذ عشرات آلاف السنين. منذ خرجت الإناث عارضاتٍ أجسادهن للقاءات السريعة. منذ خرج الرجال يوزعون نطفهم ويتباهون بقبائلهم".
الأنثى: "ولكن..".
يقاطعها بصرامة: "إننا الآن نعرف متى نبلع قرصا مانعا للحمل لنلبي بقايا هذا الشعور الخادع الذي لم يزل قويا لأنه أفلح دائما في إحياء النسل. ماذا لو لم يعد الجَدُّ يمشي وخلفه سبعون أو ثمانون من أحفاده؟ إنه يمشي وخلفه طفلان مرتَّبان ومكتبة".
الأنثى: "أنت تهلوس".
الرجل باسما: "وأنت أيضا. هيا لا تكوني معقدة. سأطلب لك قهوة بالحليب".
الأنثى: "لا. سأعود للنوم. عملت اليوم كثيرا وسمعت منك ما يكفي ليقتلني حقا".
الرجل ينادي النادلة: "سأسألك سؤالا من فضلك. هل سترفضين فرصة العيش ألف عام أو ألفين؟".
النادلة بحياء ودهشة: "إذا كانت كلها في هذا المقهى، نعم سأرفض".
الرجل منهزما: "جيد، قهوة بالحليب لهذه السيدة الحلوة".
ويلتفت إلى الأنثى: "أنا أتعجب. الإناث يهربن من طول البقاء".
الأنثى عابسة: "إنهن يهربن من المستحيل الذي تهذي به".
الرجل يستنتج: "كلا. جميع أصدقائي الرجال قبلوا هذه الفرصة بلهفة. أنتنَّ تخفن من الخلود لأنكن ملتزمات جدا. هذه النادلة رفضت الفرصة بلا تفكير ربما لأنها توقعت أن تعيش ألفي عام في سن اليأس".
الأنثى: "ربما.. أنا مللت".
الرجل يلتفت إليها. يراقبها وهي تخرج مسرعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق