21‏/12‏/2015

يوفوريا: السعادة الضرورية


لـ laura fedora
تسمع الجميع يقولون: هذا ليس وقت النشوة
لكنك منتشٍ حقا
واحدا من بينهم قال: آه، كم أنت قلق!
إنه الوحيد الذي اكتشف الحقيقة 


لمَ نشعر بالسعادة أحيانا عندما نكون قلقين؟ 
دعونا نتأمل هذا السيناريو: إنها ليلة اختبار صعب، أحدكم يجلس على الأرض، وحوله كومة من الكتب والملاحظات، يتوقف فجأة عن القراءة ويشعر بالنشاط، بعد قليل سيدرك أن جسده غير مستقر، ينهض، يمشي في الغرفة... ثم تبدأ الأفكار الجميلة بالهطول على رأسه، يخطط للسفر إلى مدينة بعيدة أو إلى خلق حفلة باهرة، طبعا هذا ليس وقت التفكير خارج المقرر الدراسي، لكنه لا يقاوم الدم الدافئ السعيد الذي يحرِّكه. 

أستطيع أن أزعم أننا نعيش مثل هذه اللحظات في أوقات يمكن أن نصفها بالـ "غير مناسبة"، فليس من الحكمة أن نترك التحضير الجيد ونستهلك وقتا طويلا في رسم المشروعات أو مشاهدة الأفلام. لكن ما السبب؟ هل نحن من نختار الترويح عن أنفسنا؟ أم ثمة آلية تعمل في الخفاء؟ 
سأبدأ تحليل هذا السيناريو بحرية، غير مستند إلى مراجع علمية، وقد أضيف تدوينة أخرى إذا حصلت على معلومات جديدة. 

ظاهريا، يبدو هذا الطالب السعيد متناقضا وغير جاد، فالطبيعيُّ هو أن يكون قلقا (القلق استجابة طبيعية لمثل هذه الأحوال) ومركِّزا كل اهتمامه على موضوع الدراسة، لا أن يكون سعيدا جدا ومحلِّقا مع الخيالات. لكن هذا يبقى ظاهريا فحسب. في الأعماق قصة أخرى تديرها الهرمونات المسافرة بين نهايات الأعصاب. 

الجسم أثناء حالة القلق anxiety يكون تحت وطأة الجهاز العصبي السمبتاوي sympathetic nervous system الذي يدخلنا في حالة المواجهة أو الهروب fight -or- flight response، فنحن في موقف صعب، ونحتاج إلى البقاء يقظين ومتنبِّهين، وهذا ما سنفعله عندما يغمر أوعيتنا الدموية هرمون الأدرينالين (تطلقه الغدد فوق الكلوية). 
هذا الهرمون يوقظنا حقا، فهو يزيد نبضات القلب ومعدل التنفس، يوسع بؤبؤ العين، يشد العضلات، يقلل رغبة الأكل والنوم والجنس... إلخ. ومن الملاحَظ أننا عندما نكون قلقين (مغمورين بالأدرينالين!) نشعر بالانتباه الشديد، الحاجة إلى التبول، الدوار، الصداع، آلام العضلات، جفاف الفم.. وأيضا قد نعاني من إسهالٍ مفاجئ (عند إعلان النتائج). 
كل هذه التغيرات التي تحدث في أجسامنا لا تحدث عبثا، بل لها مغزى طبيعي وتطوري، فلولا هذه الثورة الهرمونية لما استطاع المقاتلون الانتصار، ولما اجتاز الطلاب الاختبار (أكره السجع!). 

دعونا الآن ننتقل بسرعة إلى الحالة المناقِضة. لماذا نشعر بالعكس تماما في وقت ما قبل الاختبار؟ 
يسهل أن نتبأ بتغيُّر هرموني يجعل القلق يصير سعادة. فبعد الأدرينالين يحلِّق الدوبامين داخل الأوعية الدموية نفسها، وكذا يفعل الإندورفين. لكنني أفضل أن نخرج من هذا التحليل الصيدلاني الآن.
إن ما نشعر به من السعادة في هذا الوقت -بغض النظر عن آليته العصبية- ضروري لتحفيزنا كما أن القلق ضروري لشدِّ انتباهنا وتركيزه. قد لا نستطيع مواصلة القراءة إن لم نعد أنفسنا بمشاهدة فيلم قبل النوم أو تناول العشاء خارج البيت. نتبادل أنا وأصدقائي الكثير من الخطط الرائعة أيام الاختبارات، لكننا عندما نتناول غداءنا بعد اختبار سيء كالعادة، نشعر بالكسل والحاجة إلى النوم وننسى ما كنا نفكر فيه. يبدو لي هذا كل مرة مخيِّبا وأشعر أن أعصابي حقيرة عندما تتعامل معي بهذه الطريقة.
هل نستطيع أن نطلق عليها "متلازمة ليلة الاختبار"؟ 

جهازنا العصبي يعمل بحكمة، فعندما يكون القلق مضرًّا ويستهلك الكثير من الوقود (السكَّر)، تعمل السعادة الشديدة euphoria على تحسين الأداء العصبي وتقليل الاستهلاك الطاقيّ. 
أيضا، لهذه السعادة آثار محمودة أخرى، فهي تجدد نشاطنا الجسدي، تمنحنا الثقة والإقبال، تحتال علينا لننهي واجباتنا! إنها أشبه بالأب الذي يعد أطفاله بجوائز النجاح (حتى لو لم يف بوعده) أو الأم التي تدللنا بالشاي والقهوة والحلوى. 
لكنها قد تسحبنا من الواقع إلى اللاواقع، فننسى ضرورة الدراسة ونتوجه بكل اهتمام إلى التخطيط والمشروعات. نكتشف هذا إذا بدا لنا السؤال الأول من خارج المنهج! 

ما رأيكم؟ 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.