24‏/05‏/2016

في لحظاتٍ عاطفيّةٍ متفرقة (3)






*صاح عزيز: "تعالي" ورفرف بيديه. من يومها وأنا أحبّ العصافير وعندما يموتُ عصفورٌ أحزن بشدّة لأنّ العالم يكون قد فقد حينها رجلًا حقيقيًّا.

*يستفيقُ العالمُ كلّ يومٍ على الكثير من المصائب. لقد تصالحتُ مع الانفجارات والسّيول والانهيارات الثلجيّة والجرائم الساديّة لكنني لم أعتد على غياب ابتسامتك بعد.

*تحيطُ بي غابةٌ بنيّةٌ داكنة. أنا القهوة والشوكولا والوحلُ الذي يخلّفهُ المطر. أنا التّمر الذي يغمّسهُ الأطفال بالحليب، وأنا الخشبُ المطليّ للتو ليصير كرسيّ قراءةٍ أو جسرًا جديدًا.أنا معطفٌ من الرّمل الذي يختار غروره ودفئه وأنا كستناءُ الشتاء المدللة التي تطيبُ كلّما احترقت. أنا البنيّ عندما يختلطُ بجوع الألوان فيصيرُ عالمًا وبدايات.

*بنيتَ لي بيتًا صغيرًا بنوافذ حمراء، واعتنيتَ بأصُص الورد والممر الخلفي، ووضعتَ في الصالة لوحةً لعريشة عنبٍ في أسفلها جرة نحاسيّة، ثمّ قلتَ لي: "أكسرُ رجلكِ إن دخلتٍ. آه كم أحبّك حين لا تأتين".

*كلّ "المثقّفين" الذين أعرفهم يحبّون "Frida" الفريدة، و "Van Gogh" الأب الروحي للسماءِ المتاهة، ويمجدون "محمود درويش" ويلعنون "نزار قباني"، ويستخدمون أسماء أنهار غريبة ومدن نائية. ويصورون عقربًا راقصًا بهاتف الجوال، ويضيفون رغبتهم العميقة في إنجاز فيلم قصير، ونيل قسط كافٍ للرسم وتحليل الأفلام وتعلّم اللغة اليابانية. أما أنا فأحبّ فقط طائر "الفلامنجو" وأرى أن فساتيني لوحات عظيمة جدًّا وملهمة.

* منذ أن عرفتُ أن هناك انفجارًا عظيمًا وأنا أعاتبُ السماء. طال عتبي جدًّا حتّى صرتُ نجمة.

*ليس عاديًّا أبدًا أن ينشأ الإنسانُ في بيتٍ فيه شجرة غاردينيا وياسمين وأصيص فلٍّ مزدحمٍ، وعريشةُ عنبٍ وزهر فتنةٍ وبعض الأعشاب التي تداوي الخوف والكثير من التراب المتعطّش للمزيد. ليس عاديًّا أبدًا. إنّ في هذا لعنةً وجمالًا يؤذي صاحبهُ أولًا، فالعالمُ خارج هذه الحديقة مزروع بالشوك. وسيكون شاقًّا جدًّا على زهرة غاردينيا حسّاسة أن تنمو في أي مكان.

*لن نتقاسم الكعكَ مرةً أخرى، ولن نتعارك بالموسيقى. لن يكون لنا مقهى مشتركًا وأصدقاء مشتركين، ولن أحكي لك كيفَ حرقتُ أصابعي وأنا أقلي السمك أو كيفَ تزحلقتُ في الممر وأنا أنظف الأرض بالماء والصابون، ولن أطلعك على فكرتي الجهنمية بتغيير العالم عن طريق الألوان والفساتين. لن ألوي ذراع حنيني أو أضحي بزهرة من المخمل من أجل انتظاركَ مرة أخرى.

*وجهكَ مثل الجراد. طويلٌ جدًّا وكثيف، ويؤمن بفاعليّة الغزوات الجماعية. لكنّ له مبيدًا ناجعًا وهو الرقص. كلما رقصتُ أكثر، كلما التهمك الحريق وأنهاك. إنني أدفنكَ بكلّ ما أوتيتُ من ميلان، وأواريك في حنايا خصري ثمّ أشدّ ما تبقّى منك بذراعيّ وأجعلك تغرق في الجزء الأيمن من رقبتي. تغرقُ تمامًا.

*أيّار المسكين الذي يأتي كلّ سنةٍ بمصيبة. يلصقون به اسم الغراب ثم يضيفونه إلى قائمة الأشياء التي تجلبُ النّحس. لا عليك يا أيار! سأحبك أنا، فإنني أفهم ما معنى أن يعيّركَ الآخرون لأنك فقدتَ ابتسامتكَ إثر حادث أليم.

2 التعليقات:

لم أتخيل أن يكون تشبيه الوجه بالجراد ليس فقط مقبولاً بل جميلاً! خاصة بوجود سطور أو كلام غيره وليس -على الأقل- كنص أو تشبيه مجتزئ بحادثة معينة.

جميلة هذه التدوينة

خرجت كلمة "الجراد" بتلقائية. لم أجد ربما ما يعبر عن فكرة غزو الحنين ووبائه سواها. ثم كان الرقص موجودا كمحرقه على أساس أننا شجعان جدا أمام حنيننا.

سعيد مساؤك

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.