25‏/07‏/2016

اصنعي لي قهوة أمِّي


by Tim Nyberg
إلى هِداية ،

أبعِدي عني طيورك فإنها تزعجني بحذرها، واصنعي لي قهوة أمي. 
أينما كنتِ، في غرفتك أو في المطبخ، في الحمام أو في البلكونة أو في مكتب العمل، انهضي واستجمعي حُبَّك واصنعي لي قهوة أمي. مهما كنت تفعلين، تقرأين أو تكتبين، تنامين أو ترسمين، تبكين أو تدخنين، احصلي على كومة من البُنِّ والهيل والزعفران والقرفة والزنجبيل واصنعي لي قهوة أمي.
أكتبُ إليكِ يا حبيبتي الصغيرة التي يطبعُ الدانتيل على امتلاء جسدها سيلا من الزهور وحساسية الجلد. فكَّرتُ "يحيطُ بي مساء بالغ البشاعة، يشبه شارِب (دالي) أو عينيْ (نيتشه).. متفرُّع جدا في عالمي الكئيب السخيف". ارتجَّ رأسي. تصكُّ الريح أذنيَّ فلا أسمع إلا طنين الموت وحشرجة دفتر اليوميات. فأهربُ إلى الحمام. أشعل سيجارة. أضع اللابتوب على المرحاض. أبحث عن إناء طبخٍ أجلس عليه. إنني أشْبَهُ بفأر متورِّط بالدخول إلى هذا العالم. لم أسرق خبز أحد، ولم أقفز على أحد النائمين، لكنني أشعر بالهرب، بأنَّ واجبي في هذا الوجود هو أن أقلِّصَ جسدي وأنضغطَ وأكون خائفا جدا لأستطيع الفرار من فُرجةٍ شديدة الضيق أو من المسافة بين الأرضِ والباب في لحظةٍ ما.
لا تداوي الآن جِراح ظهري، ولا تنتظري أن أستعيد شعري الناعم الرمادي الذي يكون أجمل عندما تبلله أصابعك. قومي فحسب، واصنعي لي قهوة أمي. فأنا بحاجة إلى أن أتمرد وأرشف من ذلك النهر الراكد الذي تمتزج فيه تناقضات أمي وأوامر أبي فتعطيه لون الكراميل. أليس هذا لون شعرك، يا حبيبتي الدافئة والمملة؟
لم أنجز أي عمل عظيم في الأيام البغيضة التي انسحقت ببطء في دهاليز الجفون فأورثتني العمى. أتذكر أنني لبستُ معطفي ومشيت في المطر، وافترشتُ رصيفا تعيسا على الشاطئ، وقضيت بقية النهار أرمي قطع البطاطس لطيور البحر المتسوِّلة. ثم رتَّبتُ ذراعيَّ تحت رأسي ونمت.
فاصنعي لي قهوة أمي. لأخبرك كم كانت الطيور، مثلنا، كائنات مقرفة. تلقفُ طعامي وتخاف مني. تأكل من يدي وتحذرني. تحلِّقُ فوقي وهي تظن أنها تغريني بصداقتها ووداعة أجنحتها المنبسطة والممتدة في الغيم، وهي تعلم أنها تُخاتِلُني وتبتزُّني. لأصف لك ريشها المغزول في جلدِها الساخن والمعطر، ومناقيرها السوداء المعقوفة كسلاح بدائي، ومخالبها التي تختفي وقت التحليق لتقنعني بجمالها ونُبلها. لأصوِّر لك كيف كانت تلتهم قطع البطاطس ثم تدفن رؤوسها في الماء لتمرر اللقمة إلى بطونها الممتلئة بالسُّحت. وكيف كانت تحاول الغناء فتفشل، لأن جمهورها الكئيب لا يسمع منها إلا أنين الحاجة إلى الحياة والخوف من الموت.
تساءلتُ "إلى متى ستمارسُ هذه الطيور بشاعتها ولؤمها على زُرقة هذا البحر؟ فاصنعي لي قهوة أمي وأجيبيني. هل ستموت أخيرا؟ ستقفز إلى الجوِّ طيورٌ أخرى. هل ستبقى أبدا؟ إذن هي مثلي. إذن سنكمل أنا وهي دائرة التورُّط. إذن سنشهدُ  أمطارا أخرى ومساءات فظيعة أخرى. إذن سنواصل التملُّق المتمثل في قطع البطاطس الصفراء المشبعة بالزيت وبأوساخ يدي.
كانت أمي تحب قهوتها خفيفة، وأنا أحبها ثقيلة، أثقل حتى من أمي. فأودعي كل بُنٍّ وكل هيل وكل زعفران وكل زنجبيل وكل قرفة في هذه القهوة. وحاولي ألا يتساقط شعرك في فنجاني. تنفَّسي حين تطبخينها جيدا وحين تسكبينها، وإن تصاعد بخارها الساخن إلى فمك فلا تمسحي ذلك الرشح في المسافة بين أنفك وشفتك العليا، يا امرأتي. وإن تعرَّقت يداك فامسحيهما في ثوبك، وغطِّسي ثوبك في قهوتي.



5 التعليقات:

يزعجه الحذر ويتوق لقهوة أمه

يا للحزن. (حزن وليس أسى)


----------
جميل!

مرحبا هيثم، عساك بخير؟

أهلًا فيك

أنا تمام
زي ما بقولوا:
I have been better; I have been worse

:)
بتمنى إنك بخير

هكذا هي الحياة
أنا جيد، خصوصا بعد العودة للكتابة الأدبية والتوقف عن العلمية :)

والله شايفلك كلها تعب بتعب هالكتابة!

(آسف)

*شخص يصارع لكتابة ١٠٠٠٠ كلمة قبل الأول من تموز!*

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.