ذكرت لكم في التدوينة السابقة بدايتي مع النشر الورقي لروايتي الأولى "سماوات جائعة"، هذه البداية التي كانت قوية ومفعمة بالأمل، ثم تضاءلت حتى انتهت بسبب إهمال دور النشر الورقي وإعراضها عن الكتاب الجدد. لكن هل كنت ألوم دور النشر الورقي أو أشكل حملة ضد الكتاب الورقي لأن روايتي لم تنشر ورقيا؟ كلا، فدور النشر الورقي لها مهمة خاصة وواضحة: التمسك بالكتب المربِحة. ومهما تساءلتم عن الكتب المفيدة أو غير المفيدة، فلن تجدوا جوابا.
دور النشر الورقي هي مجرد مؤسسات تجارية لبيع الكتب ونشرها، ولكننا فهمناها خطأ، فظننا أنها أماكن لرعاية الموهوبين، والإنفاق على المؤلفين المفلسين! لذا لا يجب علينا -نحن الكتاب- أن لا نلومهم في شيء.
والحقيقة أن ليس كل الكتب الورقية سيئة أو مجرد سلع، الكثير منها رائع وجذاب ومفيد، ولكن رفوف دور النشر هذه لا تخلو من كتب عادية ومتكلفة، كيف طبعت ونُشرت؟ على حساب المؤلف غالبا.
سأتحدث اليوم إليكم عن النشر الإلكتروني، وأنا بهذا الحديث لا آتي بأي جديد، فهناك من سبقني إليه وتكلم عن كل تفاصيله، وميزاته، وعيوبه، وأهم مواقعه على الشبكة العنكبوتية. أذكر هنا المدوِّن والمؤلف عارف فكري في مدونة "النشر الإلكتروني"، ورءوف شبايك في مدونة "شبايك.كوم"، وبعض المدونات غير المتخصصة التي تعرض للنشر الإلكتروني مثل "أراجيك".
كما ترون، ثمة من يبذل الكثير من وقته للدعوة إلى الكتاب الإلكتروني، بل إن الأستاذ رءوف ألَّف كتاب "انشر كتابك بنفسك"، الذي تكلم فيه عن النشر الإلكتروني، وعن طريقة النشر على الموقع الشهير Lulu.com.
دعوني الآن أذكر لكم ميزات النشر الإلكتروني بعد تجربتي الأولى (والثانية قريبا)، وسأعترف لكم أنني لم أزل في البداية، لكنني أستطيع أن أفيدكم. إن أول ما يفكر به المؤلف قبل أن يشرع في كتابة عمله هو الجمهور، فيتساءل على طول الخط إلى أن ينتهي: كيف سيقرأ الناس هذا الكتاب؟ إلى أين سيصل؟ كيف سأوصله إلى أكبر عدد من القراء؟ والإجابة على تساؤلاته هي إما أن يوكل أمر كتابه إلى دور النشر التقليدي، التي ستوزعه على عدد من المكتبات حتى نفاد الكمية، أو يتولى النشر بنفسه.
1- إذن، عن طريق النشر الإلكتروني تستطيع أن تنشر كتابك بنفسك، في أي موقع وفي أي صفحة وفي أي مدونة، وأنت المسؤول عن جمهورك؛ لأنك أنت من تختاره.
التساؤل الآخر الذي يلح على الكاتب أثناء انشغاله بكتابة عمله هو: من سيقرر إذا كان الكتاب يستحق النشر أو لا؟ من سيراجع أفكاري ويوافق عليها أو يرفضها؟ والسؤال طبعا عن الرقابة، هذا الوحش الأسطوري في عالم الكتاب، فنحن لم نزل نقرأ إلى اليوم معاناة المؤلفين من سياسة الرقابة في الوطن العربي، بعضهم يشكو من منع عمله من النشر، وبعضهم يفرح بنشر عمله، ثم لا يلبث أن يسمع أنه سُحب من معارض الكتب، فهم مترددون، لا يستطيعون أن ينشروا كتبهم بطرق أخرى، ولا يستطيعون أن يكتبوا أفكارهم بوضوح وشجاعة.
2- إذن، أخيرا تستطيع أن تكتب ما تؤمن به، ولن يصل كتابك إلى رقيب سيء المزاج يمزق أوراقه ويشوه أفكاره.
عندما كنت أراجع "سماوات جائعة" وأهيئها للنشر، كنت خائفا من شيء واحد، كنت أتصور أن الكتاب طُبع ونشر في السوق، ثم حصلت على نسخة ورقية منه، فقرأتها، فوجدت فيها فكرة غير مكتملة، أو خطأ إملائيا فاتني أن أصوِّبه، وهذا الخوف مألوف لدى الكتاب، وهو يطاردهم ويوقظهم من نومهم، ولأنني كنت واثقا من نشر كتابي ورقيا، عملت على إعادة القراءة أكثر من مرة، حتى ارتحت إلى أن نصي صحيح ومكتمل، على الأقل بالنسبة لي.
3- إذن، لن تخاف من صعوبة التعديل في نص كتابك بعد نشره، فأنت الذي تتابعه، وأنت الذي تستطيع أن تعدل فيه ما تشاء، ثم تصدر منه نسخة جديدة كل مرة، ولن تنتظر إلى أن تنتهي النسخ المكدسة في كراتين دور النشر حتى يمكنك أن تصدر طبعة ثانية.
الكتاب الشباب غالبا مفلسون، أقصد أنهم لا يملكون أن ينشروا أعمالهم على نفقتهم، لذا فأكثرهم يفضل اليأس والقراءة للآخرين، ويتخلى عن أفكاره التي أراد أن يجمعها في كتاب، والقليل منهم هم الذين يشقون صفوفهم بأنفسهم في العالم، فيكسبون جماهيرهم المخلصين ويتواصلون معهم مباشرة.
4- إذن، لن تدفع ريالا واحدا عندما تنشر كتابك إلكترونيا، وإن كنت مهتما بتحصيل المال كالأستاذ رءوف، فبإمكانك أن تبيع كتابك عبر الإنترنت، وتضع له السعر الذي تراه، وتشرف على المبيعات أولا بأول.
ما أطول انتظارك لكتابك الذي ستصدره دار نشر عربية! قد تنتظر ستة أشهر، لكن هذا لطيف جدا، لأنك قد تنتظر سنتين أو ثلاث سنوات. الأمر الذي سيقلقك، ويعطل مشروعاتك، ويجعلك تكره اليوم الذي كتبت فيه.
5- إذن، انشر كتابك الإلكتروني في أي وقت، ولكن لا تنس أن تتمهل، لا لشيء، إلا لتعرض عملك على أصدقائك، وتكتشف أخطاءه وثغراته، أما عندما يكون جاهزا وأنيقا، فأنت من سيقرر نشره اليوم أو غدا. ولقد قرأت مؤخرا عن مواقع مثل: لولو، وأسناد الرقمية، تنشر الكتاب في أقل من يوم!
معظم الكتاب القلقين يفكرون كثيرا في حقوق النشر، ويخافون من المتلصصين الذين ينسخون ويصلقون ولا يهتمون بذكر المصادر، وقد تفاجأ إن قلت لك إن هؤلاء الكتاب هم الذين يعتمدون على النشر الورقي. كيف؟ سأشرح لك. عندما تنشر كتابك ورقيا ستطبع نسخا معدودة (لنقل 2000 نسخة)، ثم ستنتظر دار النشر حتى تستنفدها، لتبدأ بإصدار عدد من النسخ الجديدة، وأنت على كل حال مهتم بالمردود المالي الذي قد تنال منه 10% أو 20% أو أقل أو أكثر... فلنفترض الآن أن أحد الذين اشتروا كتابك قام بمسحه ضوئيا Scanning ونشره بصيغة PDF مجانا! ستقل مبيعات كتابك، وسيبدأ القراء بتنزيله ونشر روابطه، وعندما يعلم الجميع بأن كتابك موجود على الإنترنت مجانا، لن يشتريه إلا القليل الذي يهتم برائحة الورق.
6- إذن، مجموعة كبيرة جدا من الكتب الورقية مصيرها أن تُنشر إلكترونيا، بطريقة قانونية أو غير قانونية، فلم لا تبدأ من النهاية وتكسب الوقت؟
# ملحوظة: مواقع النشر الإلكتروني حاليا تمنحك رقما عالميا لكتابك ISBN، وتضمن لك حفظ حقوقك، وتزودك أحيانا بأنظمة حماية ضد القرصنة. هذا إن كنت قلقا جدا على كتابك.
تعرفنا على أهم ميزات النشر الإلكتروني، وأهم الأسباب التي تغري المؤلفين بترك دور النشر التلقيدي، ولكن لا نريد أن نكون مبالغين في الإعجاب بهذه الطريقة، إن لها بعض المساوئ، وسنناقشها في التدوينة السابقة.
أرجو لك نشرا إلكترونيا موفقا.
# إعلان: للمؤلفين المهتمين بنشر أعمالهم على مدونتي، إنني أرحب بكم، راسلوني على هذا الإيميل ramzi@xd.ae، وتفضلوا بزيارة قسم الكتب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق