14‏/02‏/2016

أحبُّ شباط !




أحبّ شباط!
شعرهُ طويلٌ وأسود، ووجهه ثورة السّماء التي لا تتوقف عن مشاغباتها، في الصّباح يطلّ عليّ بشمسه السّمحة ويهبني الفرصة لأسلم عليه يدًا بيد، قبلةً بقبلة، ويقول لي "اخرجي نحو البحر أو اغتسلي بحمّام الضوء البهيج"! 
وعندما يقفز عصفورٌ صغيرٌ على حرف شرفتي المطلي بالأبيض، الأبيض الذي شقّقهُ الخوف وهديرُ الطائرات، يتخيّل لي أنه يردمُ كلّ هذه الهزائم التي يحتفظُ بها هذا المكانُ الضيّق، فأبتسمُ وأحرّك جسدي نحو قبلة الغيمة الأولى وأصلّي.. صلاةً خاشعةً لا أقولُ فيها أيّ دعاء ولا أتفوّهُ خلالها إلا بحركاتٍ انفعاليه لأشياء لا يفقهها أحد..


أحبُّ شباط!
لأنه بسيطٌ جدّا، يرمي تعقيد فيروز جانبًا، ويتخلّى عن هزائم الزّمن الجميل، ويضربُ بعرض الحائط كلّ أساليب الرقص المعقدة ويحرّضني كما يفعلُ أيّ رجلٍ قليل الأدب على التمايل.. بدايةً نحتسي موّالًا ومن ثمّ يلعبُ بصوته، يتسرّبُ من أخمص قدميّ ليضرب عقلي الفوضوي وندور في حلقاتٍ مفتوحة ونحنُ نصرخ مثل الأطفال المجانين الذين اكتشفوا للتو أنهم أتوا إلى هذا العالم وعليهم أن يقولوا أنهم هنا!


أحبُّ شباط!
 أحتفل فيه بمولد صديقي الأشهى فأبتاعُ له بالونًا مليئًا بالقبل الخضراء لكنني لا أكتفي، أضع يدي على منطقة فارغة وأطبعُ قبلتي الخاصّة وألعنُ المسافة!
يتولّد عندي إيمانٌ مطلَقٌ بأنه سيصل، سيقاوم حتّى النهاية مرتفعاً فوق كلّ المناطق العازلة ومن ثمّ سيصل وسينفجرُ دفعة واحدة على وجهه وكم سيتفاجأ عندما يرى أن الهديّة لم تنتهي، فسوف يسيلُ بحرٌ من الرّبيع وسوف يخرجُ عصفور الحرب ويسلّم عليه جزيلًا!


أحبُّ شباط!
يحملُ خوف الأطفال من فقدان الأشياء الصغيرة فلا يفكّر في الغد اللعين ولا يتساءل عن موضع كبريائه ولا يخجلُ من بكائه!


أحبُّ شباط!
كان أبي فيه يشتري من "مشاتل الورد" ويزرع في حديقتنا الصغيرة ويهزّ كتفي "بيده الأرض" فيعلقُ عليه شيءٌ من حنين وأتغذّى بصورته وهو يغنّي، وهو يقطفُ عشبًا وهو يروي لي أول قصّة حب له تحت الشجرة وكيف كان يعني له تقاسم التفاحة مع صديقته والأكل البطيء حتى يعطيها حصته في النهاية دون أن تشعر أنه تقصّد ذلك، وعندما كنتُ أسأله لماذا كان يضحكُ قائلا "تحبّ الأكل أكثر مني لكني لم أكن رجلًا غيورًا" وكنا نتقاسمُ الضحكات لكنه كان يربح عليّ بابتهاجه الدائم وعبوره الحياة مثل ريشةٍ خفيفةٍ وبيضاء، حملها النّسيمُ وأخذها بعيدًا حيثُ يتوقّف إدراكي تمامًا وتبدأ روحي بالمهمّة الشاقّة!

أحبُّ شباط!   
ليلهُ باردٌ ورائع، يشعلُ ضلوعي بالحزن ويطغى بسطوته على قوة احتمالي فأبكي طويلًا في حضن نفسي وأتألم من كل هذا الفقد وقد أكسرُ آنية زجاجيّة أو أغيّر تقويمًا، وقد أعيدُ ترتيب فوضاي نحو أن تزداد وتصير تلّة أو جبلًا!


أحبُّ شباط!
ساق إليّ الحياة من رقبتها وقال لي "لا تصالحي"
عيناك أغنية خالدة
وجهك جناحُ عصفور أزرق
يدكُ جسرٌ خشبيٌّ عتيق
وأنفاسك دفقُ النهر القريب الذي جلست عليه ذات مرة وقلت "أنا حرّة" !  

      

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.