06‏/08‏/2015

رواية لوليتا - قراءة نفسية (1)



اللقاء الأول لدانتي وبياتريس، للرسام الإيطالي رفايللي جيانيتي.

"أليست هي لي، كما كانت بياتريس للشاعر دانتي؟". يقول همبرت همبرت مزهوا بامتلاكه لحبيبته لوليتا، مستلهما قصة الحب القوي بين الشاعر الإيطالي دانتي ومحبوبته بياتريس، ومدركا التشابه الجميل بينها وبين قصة حبه.
إنها من الروايات المثيرة للجدل، وهذا ما تفعله الروايات الجريئة التي تسحرك بروعتها لكنها تخجلك بإباحيتها، بعضهم وصفها بأنها من جنس رواية جيمس جويس الشهيرة "عوليس Ulysses"، أما بعضهم (جوان راي الابن الذي قدَّم للرواية) فرأى فيها عملا هادفا ويدعو إلى الأخلاقية، بل إن بعضهم ادعى أنها مأخوذة عن قصة أخرى نُشرت قبلها بعقود!
في 1955، نُشرت رواية "لوليتا" لكاتبها الروسي فلاديمير نابوكوف في باريس، فلم تلبث أن منعت لسنوات، ثم انتشرت بسبب جدل النقاد حولها، حتى صارت كتاب جيب يحتفظ به قراء الإنجليزية، وحتى ضُمَّت إلى قائمة التايمز لأفضل 100 رواية إنجليزية بين عامي 1923 و 2005.
كاتب الرواية هو الأديب الروسي فلاديمير نابوكوف، المولود في سانت بطرسبرغ عام 1899 لعائلة روسية عريقة وثرية، ولم يكد يبلغ الثامنة والعشرين حتى غرقت روسيا في ثورة فبراير 1917 ثم الثورة البلشفية في أوكتوبر، وبعدها هربت العائلة، وتنقلت بين المدن حتى استقرت في برلين عام 1920، بينما التحق فلاديمير بجامعة كامبريدج ودرس فيها الآداب والعلوم، ثم لحق بعائلته في برلين عام 1922. في هذه الفترة اغتيل والده، فتفرغ للأدب، وعُرف في برلين شاعرا وكاتبا باسمه الأدبي "ن. سيرين"، وما هي إلا ثلاث سنوات حتى نشر عمله الروائي الأول "ماشينكا"، ثم بدأ ينشر العمل تلو الآخر، وينتقل من بلدة إلى أخرى، إلى أن استقر في منهاتن بأمريكا، وهناك تطوَّع للعمل في المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي كعالم حشرات.
حياة فلاديمير المضطربة والثقافية في الوقت نفسه أثرت في كتاباته، فقد تلقى تعليما جيدا، وأتقن الروسية والإنجليزية والفرنسية وهو في سن مبكرة، أما الظروف السياسية آنذاك فهي تنعكس بكل قوة في أعماله الأدبية، ونخص هنا رواية "لوليتا"، وهذا الرأي الأخير خاص بأستاذة الأدب الإنجليزي الإيرانية آذر نفيسي التي اتخذت من أدب نابوكوف مُلهما ومرشدا لها بعد أن استقالت من جامعة طهران، فألَّفت كتاب "أن تقرأ لوليتا في طهران"، منتقدة فيه الوضع السياسي الإسلامي الشمولي في بلدها، ومتمسِّكة هي ورهط من تلميذاتها بروح الأدب القادر على التغيير. 


ترجمة دار أسامة
ما هي "لوليتا"؟ ولم أثارت كل هذا الضجيج الذي لم يهدأ إلى الآن؟ وكيف يمكن أن أكتب عنها فآتي بجديد والمواقع تطفح بمقالات الناقدين والدارسين النفسيين؟ إنها بلا شك تستحق كل هذا الاهتمام؛ ولن أطيل أكثر في التمهيد... 

يروي الرواية همبرت همبرت "يرمز لاسمه أحيانا بـ هـ. هـ" وهو أستاذ أدب سويسريٌّ في أواخر الأربعين يقع في حب طفلة في الثانية عشرة، هي "دولوريس" التي يدعوها بـ "لوليتا". يكتب قصته الحزينة الطويلة موجِّها كلامه إلى هيئة المحلفين، موحيا إليك بأنه ينتظر نطق المحكمة بعقابه الذي يستحق، وطامعا في أن ينقذ روحه من الهلاك، بعد أن أيقن من أنه مسجون أو ميت لا محالة.
تبدأ الأحداث بالفتى (همبرت) يعيش مع أب ميسور الحال يملك فندقا على الريفيرا، وتهتم بأمره خالته (سيبيل) بعد أن ماتت أمه وهو في الثالثة من عمره. كبقية الأطفال، يدخل همبرت المدرسة ويقضي وقتا طويلا في الدراسة، ويرافق أباه في الرحلة والأخرى، ويسمع من الناس أن أباه استغل خالته سيبيل التي قيل إنها أحبته، وأن له عشيقات كثيرات، لكنه يجلُّه ويحترمه؛ لأنه لا يهمله، ولأنه يصطحبه ويقرأ له القصص. 
وبسرعة، يقفز الكهل (همبرت) الذي يروي القصة بلسان الرجل الكبير الذي عرف الحياة ما يكفي من الزمن، فينتقل إلى ذكرى حبه الأول (آنابيل) التي تصغره بأشهر قليلة، ولكنه لا يذكره في سياق الحب، بل في سياق استرجاع ممارساته الجنسية، التي كانت آنابيل هي موضوعها، فيقول إنه لم يعرف تجربة جنسية قبل عامه الثالث عشر.
آنابيل هي فتاة ساحرة، كان أبواها صديقين لأبوي همبرت، وفي ظروف غامضة، وقع في حبها ووقعت في حبه، فراحا يجربان لوعة الحب في قلبيهما طفلين لم يعرفا للإثم إيقاعا في حياتهما. ولماذا الإثم؟ لأن همبرت وآنابيل سرعان ما جربا ما يجربه البالغون من اللذة المادية، فاختبآ كل مرة عن أعين العائلتين الحريصتين، ومارسا في خلوتهما بعض الحركات  والملامسات البريئة التي صارت عملية جنسية -أو كادت تصير- في يوم من الأيام، ففي ذلك النهار بالقرب من الشاطئ وفي ظل الصخور بعد عناق طويل، أوشك همبرت أن يواقع آنابيل لولا خروج رجلين فجأة من الشاطئ.
لا يطول هذا الاستذكار المُر لآنابيل؛ لأنها ماتت بعد ذلك اللقاء، وتركت وراءها عُقدة في حياة همبرت، ورغبة لم تكتمل.

يكبر همبرت، ثم يصير أستاذا للأدب الفرنسي، ويبدأ في تأليف كتاب، لكن هذه الأحداث المهنية ليست مهمة، فهمبرت برغم كبره ومكانته التي آل إليها، لم يزل طفلا قبل سن البلوغ يطارد فاتنته آنابيل ويتذوقها، فينخرط أستاذ الأدب هذا في حياة جنسية شاذة، فهو يفضِّل الفتيات الصغيرات بين التاسعة والرابعة عشر، ويطلق عليهن "الحوريات المسعورات Nymphet"، ولا يستمتع إلا بهن، فيبدأ بالبحث عنهن في كل مكان، فتارة يقرأ كتابا بجوار حدائق الأطفال، وتارة يقصد بيوت الدعارة باحثا عن حورية مسعورة تخفف آلام آنابيل الكامنة في ذاكرته.
وبعد الكثير من المحاولات واللقاءات غير الممتعة مع فتيات يبدو عليهن البله والترهُّل، يقضي وقتا ممتعا مع (مونيك) ذات الستة عشر عاما، ثم يقرر أن يتزوج بدافع "التسوية الجنسية" من فاليريا التي تتصف بصفات الحوريات المسعورات برغم كبرها. ينتهي هذا الزواج الفاشل بعد أربعة أعوام؛ لأن حقيقة فاليريا الناضجة انكشفت، وأنتم تعلمون أن همبرت يتقزز من الناضجات، ولا يستمتع إلا بالصغيرات في المرحلة العمرية من 9 سنوات إلى 14 سنة! وستقرأ عجبا في هذه الصفحات الأولى، ستكره هذا الأستاذ الشاذ، وتشعر بالقرف يجري في دمك وأنت تعيش معه الذكريات التي يستمتع بروايتها وترفضها أنت، يتقبلها وتعترض عليها أنت، وتكون موقفك العدائي له، وربما لن تغير هذا الموقف حتى النهاية.

يسافر همبرت إلى أمريكا بعد وفاة عمه الثري الذي ترك له ثروة واشترط عليه أن يهتم بتجارة العطور، وفي أمريكا يدخل مصحة نفسية لسبب مجهول، فهو لا يذكر الحالة التي ألقت به في المصحة طيلة سنة كاملة، ثم يسافر في بعثة غامضة إلى القطب الشمالي لغرض النقاهة ولدراسة التأثيرات النفسية، ويبقى عشرين شهرا في هذه البيئة، ولا يجد في فتيات الإسكيمو مثالا لآنابيل فاتنته الأولى، ثم يعود إلى أمريكا، ويدخل المصحة للمرة الثانية لسبب مجهول أيضا، مستمتعا بالرعاية الطبية، والكذب على الأطباء.
بعد الخروج من المصحة، يسافر إلى بلدة صغيرة تدعى "رامسديل" قاصدا بيت ابن عمه (ماك كو) الذي سمع بأن لديه ابنة في الثانية عشرة من عمرها، هنا ستتوقع أن ابنة ماك كو هذه هي لوليتا، لكنك ستخطئ، فبعد وصوله إلى البلدة يكون بيت ماك كو قد احترق صدفة، فيقيم مؤقتا في بيت صديقة لعائلة ابن عمه تدعى (الميس شارلوت هيز). يتردد في البداية، ويبقى في بيتها السيء بدافع المجاملة الأوروبية، لكنه يقرر فيما بعد أن يقيم في هذا المنزل كل عمره، فلشارلوت هيز حورية مسعورة ذات اثني عشر عاما هي (دولوريس أو لوليتا).

ينتهز هذا الأستاذ الشاذ كرم الميس هيز ومحاولاتها لإثارته، ويبدأ بالتفكير الهوَسي الدائم في ابنتها لوليتا، فهو يراقبها في المسبح، وفي غرفتها، وفي المطبخ، ويقدم لها الخدمات والدروس الخصوصية، ويتقرب منها يوما بعد يوم، متلذذا بهذا القرب، ومستذكرا حبه القديم ورغبته التي لم تكتمل مع آنابيل. وتمر الأيام، وترسل الأم ابنتها إلى مخيم للطالبات، وتبقى مع همبرت الذي لا يعطي وجودها أية أهمية؛ لأنها ليست حورية مسعورة! فيجد بعد أيام رسالة من صاحبة البيت تطلب منه فيها أن يغادر البيت أو يتزوجها، فلا يملك إلا أن يتزوجها؛ ليبقى قريبا من حبيبته لوليتا، وهو بزواجه منها لا يتخلى عن خيالاته الشاذة، فيرى فيها "لوليتا كبيرة"، ولكنه يسأم منها بعد حين ويخطط للتخلص منها؛ ليتفرد بصغيرته الحبيبة.
تتولى الأقدار تلبية رغبته في موت الميس هيز، فتموت في حادث سير بينما تعبر الطريق لتضع عدة رسائل في صندوق البريد، فيسعد همبرت، وينطلق بسرعة إلى المخيم للهروب بلوليتا. يكذب عليها في البدء ويزعم أن أمها مريضة ونائمة في أحد المستشفيات، ويستمتع بالتنقل معها من فندق إلى فندق، ويضع لها الحبوب المنومة في الشراب ويغتصبها، ويغدق عليها بكرم، حتى يصارحها بحقيقة موت أمها، ويقنعها بأن تبقى معه بصفته أبا حريصا عليها، وبصفتها ربيبة له... وهنا ينهتي الجزء الأول من الرواية.

الجزء الثاني يصور همبرت وحوريته لوليتا مسافرين بين الولايات الأمريكية، ينامان بحذر في الفنادق المغمورة والكابينات الرخيصة، ويفتعلان المشاكل ثم يتصالحان مضطرين، هو محتاج إلى حبها، وهي محتاجة إلى رعايته وماله. بعدها يستقران لبعض الوقت في مدينة "بيردسلي"، وتدخل لوليتا مدرسة خاصة بالبنات، ويبدأ همبرت بمراقبتها بحرص، ويغار عليها غيرة مرضية، فيمنعها من مرافقة الشباب، ويحرمها من الكثير من رغباتها؛ لأنه يخاف أن يفقدها كما فقد آنابيل من قبل. وفي هذه الأيام، تشير ناظرة المدرسة على همبرت بالسماح لابنته بتمثيل دور في مسرحية للكاتب (كلير كويلتي - كانت شارلوت هيز تعرفه في الماضي) الذي يُعجب بأداء لوليتا جدا، ولكن الأمور لا تستقر، فالمشاكل تستمر بين همبرت الذي يمثل الأب الشكَّاك العنيد الأناني، ولوليتا الفتاة السوقية المشاغبة التي تريد أن تعيش حياتها كباقي الفتيات، ثم ينتهيان إلى حل تجده لوليتا، وهو أن تتخلى عن دورها في المسرحية، وتترك المدرسة، وتواصل الترحال مع همبرت إلى الشرق الأمريكي.

أثناء ترحالهما المحموم، يشعر همبرت بأنهما مُطارَدين، وأن للوليتا يد في هذه المطاردة، فيحرص على الاحتفاظ بها، ولا يتركها تغيب عن عينيه لحظة، ولكنها تستغل أحيانا طاعته وحبه العميق لها فتفلت من مراقبته، وتهاتف شخصا يشك همبرت في إخلاصه لها. وفجأة، تمرض لوليتا، ويمنع همبرت من مرافقتها، فينام في فندق قريب من المستشفى، وعندما يعلم بأنها شُفيت، يكون هو قد مرض مرضا يجعله يلازم الفراش، وعندما يذهب لإخراجها من المستشفى، تكون قد هربت من شخص غامض، واختفت من عالمه.
يغضب همبرت ويبدأ البحث عنهما في كل الأمكنة، ولكنه يفشل. 
تغيب لوليتا لثلاثة أعوام، وفي هذه الفترة، يتعرف همبرت إلى حورية مسعورة أخرى هي (ريتا)، فيتمتع بها، وتساعده هي في البحث عن لوليتا بعد أن تعلم بأنه ينوي الانتقام منها...
وبعد أن ييأس، تهاتفه لوليتا وتخبره بأنها تزوجت، وصارت حبلى، وتطلب منه أن يساعدها وزوجها المهندس (ديك) ببعض المال. يترك ريتا، ويسرع إلى بيت لوليتا، يعطيها مبلغا كبيرا، ويتوسل إليها أن تخبره باسم الرجل الذي اختطفها من المستشفى، نعم، لقد كان كاتب المسرحية (كلير كويلتي) الذي أعجب بأدائها فهرب بها لتشارك في تصوير مسرحياته الإباحية، لكنها ترفض فيتخلى عنها، فتبحث عن عمل في أحد المطاعم، وتتعرف إلى ديك زوجها.

يودع همبرت لوليتا، ويتحسس مسدسه المخبأ في جيبه، ثم يذهب إلى بيت كويلتي ويقتله، ويخرج منتشيا بانتصاره، فيركب سيارته ويقود مخالفا خط السير القانوني، وهنا يُقبض عليه، وتنتهي الرواية. 

إنني أعلم أنني أطلت، ولكنني مضطر إلى هذه الإطالة التي تشوِّه الرواية بلا شك، والتي حاولت أن أوجز فيها ما استطعت، فلم أصف روعة التفاصيل الصغيرة التي أبدع فلاديمير في بعضها سردها، ولم أنقل اقتباساتي المفضلة خشية الإطالة. الآن، ليس من شأني أن أقرأ الرواية قراءة أدبية، فالمواقع والمنتديات لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا ذكرتها، لكنني مهدت كل هذا التمهيد لأعطيكم صورة واضحة لأحداث الرواية تعينكم على فهم قراءتي النفسية المتواضعة لها. 


6 التعليقات:

أهلا بك يا صديقي. كيف حالك؟ أتمنى أن تكون بخير وعافية.
قرأت لوليتا متأخرا جدا، قبل اقل من عام، وبصدق لم استطع إكمال خمس عشرة صفحة منها. لا ادري عن السبب ، قد يكون الترجمة وقد يكون أسلوب نابوكوف نفسه الصعب والمعقّد.
شكرا لك لأنك تحدثت عن الرواية بأسلوب سلس ومبسّط.
بروميثيوس

أهلين بروميثيوس، أنا بخير شكرا لك.
بصراحة أنت تفاجئني. إطار القصة وتعبيراتها بسيطة جدا. تعقيد نابوكوف كان في صياغة ووصف عواطف البطل الغريبة.
أرجو أن تساعدك هذه المقالات على العودة إلى الرواية والاستمتاع بها.

Well don't u find that's a waste of time to analize the character of an imaginary person well it's smart can't deny however the most stupid is that i finished reading it n i am not really convenience with it
Anyway u r talented carry on!!

Hello UdA,
I do not. Indeed it is an imaginary character but it can exist in our world. Also, such consistent characters indicate to a brilliant novelist.

You are welcome

Hii,
it is my honor and privilege to talk to you , i completely 4get 2 say hello . Anyway u r right it may exist in our world . But i can't see why i am welcome?!!
U 2, u 'll b a brilliant novelist one day!!!

All my readers are welcome, UdA.
I appreciate your kind words.

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.