في اللوحة يغرق شريكان في الحزن والشرود، وتعلوهما تفاحة تخترقها رصاصة، الأنثى تقبض تفاحة أخرى باهتة، ولا يبدو أن أحدا منهما يشتهيها. الذكر حزين ومتفكر، الأنثى حزينة ونادمة.
جيد كل هذا، لكنني لن أواصل الكتابة بهذا الإيقاع الممل. الموضوع جديد من نوعه، والجديد، حتى يصل إلى الناس، يجب أن يكون خفيفا.
الآن استعدوا لاكتشاف السر في الحوار التالي...
الذكر: أهلا.
الأنثى (لا ترد التحية).
الذكر: أهلا، أنا اسمي خليل.
الأنثى (تحدجه بنظرة ولا تجود بكلمة).
الذكر: أهلا، أنا اسمي خليل وأنا معجب بشبابك.
الأنثى (تتوقف، تشعر أنه قال شيئا ما جميلا لكن لا تعرفه).
الذكر: أهلا، أنا اسمي خليل، وأنا معجب بشبابك، وسأعزمك على فنجان قهوة.
الأنثى: ماذا تريد؟
الذكر (يدرك أهمية الإجابة على سؤال كهذا).
الذكر: آآ، أريد أن نتشارك شيئا ما.
الأنثى: ولماذا؟
الذكر: لا أعرف، أنت جذابة.
الأنثى: شكرا، لكنني مشغولة.
الذكر: وكم هو لذيذ انشغالك.
الأنثى: شكرا، سأمضي.
الذكر: سألاحقك حتى باب بيتك.
الأنثى (تبتسم).
الذكر (يلهث).
الأنثى: أخاف أن يرانا أحد.
الذكر: لن يبقى حيا هذا الذي يخيفك.
الأنثى (تهز رأسها موافقة).
في الحوار السابق، نجح كل من الذكر والأنثى في اجتياز بعض الحواجز "التطورية". آه، تطورية؟ نعم، وكل الحوار السابق كان مجموعة من الحيل تطورية. ستبدؤون الآن بملاحظة بعض التلميحات التطورية في الحوار. الذكر هو البادئ. الأنثى هي العصيَّة. الذكر منجذب إلى الشباب والجمال، الأنثى منجذبة إلى الأمان والقوة. يهتم الذكر بتقديم نفسه والبوح بمشاعره، تؤجل الأنثى هذا إلى أن تتأكد من حقيقته. كلمة "نتشارك" أنيقة وجذابة في السياقات التطورية؛ إنها توحي بالاقتران. الغزل يحلو للأنثى. المطاردة سلوك ناجح غالبا للفوز بشريك. وفي اللحظة التي تأمن فيها الأنثى، يمكنها أن تعبر عن القليل من مشاعرها المحبوسة (تبتسم)، ويستطيع الذكر أن يعدها بالحماية التي تحتاجها ويتعهد لها -ضمنا- بالدوام والالتزام.. ثم توافق بعد أن نجح مُريدها في اجتياز اختبارها الغريزي.
كلمات مثل "كريم، مهتم بتربية الأطفال، شجاع، ثري، شهير" حظيت بإعجاب الإناث في بعض الدراسات (ديفيد باس، 2009) أكثر من "وسيم، جذاب، طيب". في تجارب عديدة خيِّر فيها الرجال بين إناث مختلفات، وقع الاختيار على الأكثر نضجا جسديا. وبرغم صعوبة تحديد مدى خصوبة الأنثى من خلال مظهرها الخارجي، كانت نسبة الوسط إلى الورك القليلة نسبيا (WHR)، وانتفاخ الشفتين، وحجم النهدين مؤشرات تنبه الذكور إلى وجود فرصة للتكاثر والاستثمار في شريك مضمون على مستوى الخصوبة.
عالمنا الآن طافح بهذه التلميحات: ملابس الموضة كل مرة تعزز الرؤية التطورية للاقتران، في محادثاتنا اليومية نصرِّح كثيرا بما تريده غرائزنا، والبائس من يدرك النية الدنيئة للصديق الشريف.
دعونا نعد إلى اللوحة. طالما اتخذ الفنانون التشكيليون من التفاحة رمزا للشهوة والغواية والخطيئة، متأثرين بالرؤية الدينية لهذه الفاكهة. لا يتردد الناظر إلى اللوحة في افتراض أن: الذكر والأنثى متورطان في علاقة. هذه العلاقة تفسرها التفاحة بأنها "جنسية". حزن الذكر يبدو خادعا بعد أن حصل على ما أراد، أما حزن الأنثى فحقيقي. هذا النوع من المواقف يمكن أن نجده في نظرية الاستثمار الوالدي parental investment theory القائلة إن الأنثى ستتحمل العبء الأكبر من الاقتران الجنسي بالذكر. هي من سيحبل، وهي من سيرضع، وهي من سيربي. الذكر حسب هذه النظرية يستثمر (أي يودع) مورِّثاته الغالية في رحم الأنثى، وربما يتجه إلى أنثى أخرى ليستثمر فيها. هذا العزوف عن الاستمرار في العلاقة هو ما يكلف الأنثى ثمنا غاليا. فقد صار لزاما أن تتغير حياتها بعد الآن. لذا نرى الأنثى في الصورة أصدق حزنا؛ فهي من سيعاني.
- "أوه، في حالة واحدة لن يخونك حبيبك يا عزيزتي" يقول أحد التطوريين. تسأله الأنثى الحزينة: "متى؟"، فيجيب: "إذا استطعتِ أن تحبلي مرتين في وقت واحد!".
2 التعليقات:
جميلة جدّا وممتعة هذه القراءة المتعدّدة الزوايا للوحة.
بورك فيك.
أشكرك يا صديقي، ويسعدني أن تمتعك القراءة هنا :)
إرسال تعليق