07‏/03‏/2016

تفاصيل (1)~ الجدار السحري





الثامنة إلا دقيقة صباحا

يعمُّ الهدوء وأستطيعُ أخيرًا أن أسمعَ صوتَ أنفاسي ببطءٍ وبشكلٍ موحش، أشعرُ بالأسفِ حيالَ هذه الحياة السّاخرة، وتمرُّ الذّكرياتُ بقربي مبلّلةً وباردة، ومن ثَمَّ تصطدمُ بي وتبلّلني أيضًا، أبقى أراقبُ ارتفاعي وانخفاضي بوتيرةٍ شبهِ ثابتةٍ، وأعلّقُ عيني على الجدارِ المتقشّرِ بفعلِ الرّطوبة، وأتساءلُ السّؤال الأمنيّ البحت "ماذا لو كان له آذان؟" ثمّ يتّشحُ فمي بابتسامةٍ خفيفةٍ جدّاً أكادُ أجزمُ أنها كذبة
أمدُّ يدي نحو بشرة الجدار فتنتابني القشعريرة وأحسُّ أنّهُ يتحمّلُ جمودهُ وبرودتهُ أكثر منّي مع أنّهُ لا يثور ولا يمتلكُ فرصة أكل الشوكولا، حتى أنّهُ لم يعترض على خربشاتي وكوني قرّرتُ في فترةٍ سابقةٍ أن أصنع منهُ دفترًا وأودِعَهُ كتابتي الرّديئة، وتكراري لبعض الكلمات المهمّة، ومحاولاتي البائسة لرسمِ شبحكَ الذي لا يفتأ يزورني ويسرقُ خبزي،
أسندُ رأسي، بل جسدي كلّه على ذراعهِ الضخمة وأغمض عينيّ وأنا أقول "على الأقل، لن ينهار، لن يتأفف من وزني وغلاظة حزني ولن يعتدي عليّ بالتعبيراتِ الحمقاءِ بحجّةِ أنه يريدُ مساعدتي"

يرنّ هاتفي، ربما مرّةً ونصف، يتلقّى رسالةً نصيّة، وأسمعُ نحيبَ الأجواء إثر مرورِ رجلٍ جاء للتوّ ورحلَ أيضًا، يصرخُ جارنا على زوجته الثانية رغم أنها "أنجبت له ولدًا يحفظُ إرثَ العائلة ويحملُ اسمَ والدهِ العظيم!"، تضحكُ أنثى بمياعةٍ وهي تحرّكُ -كما أفترض- شعرها نحو الخلف، تتسرّبُ الحياةُ لا أدري من أين ويضيعُ الهدوءُ شيئًا فشيئًا.
أدركُ أن استمتاعي بالجمودِ قد توقّف الآن، فأتّصلُ بصديقتي لنفتح حديثًا آدميًّا ونتناقش حول آخر حفلةٍ نودُّ حضورها وكيف أنّ الفستان البلاتيني يليق بي ومن الممكن أن أعطيها أقراطي البيضاء إن كانت بحاجةٍ إليها، وينتهي حديثنا البسيط بسؤالي الدائم "نذهب إلى البحر؟"
فنضحك
نضحك
ويتحرّكُ الجدارُ أخيرًا..


على الهامش: هذه هي البداية.

5 التعليقات:

أحسست وأنا أقرأ الفقرة الأولى أنني بنسخة قديمة لفيلم ١٩٨٤ المقتبس عن رواية أورويل. هناك تشابه في اللحظات والتفاصيل :)

سرح فكري بعيدًا وصرت أتساءل هل الحائط = "هو"؟ أهناك رمزية للذراع مثلًا؟
هل هناك (هو) أصلًا؟

ربما في جزء ثان قد تتبدى أمور وأحداث :)

مساؤك سعيد

لم أقرأ كتاب جورج أورويل رغم أنه _حسبما سمعت_ يعتبرُ من أجمل أعماله لكنني الآن تشجعت!
سأقرؤه في أقرب فرصة ومن يدري ربّما أكتب عنه تدوينة

وبالنسبة للحائط فهو حائط لا أكثر
مجرّد وبعيد تمامًا عن عالم البشر ما عداي أنا طبعًا كوني اخترتُ أن أستند عليه

ربما.. كل شيء جائز

أظن أنه مهما كانت ذائقة أحدنا فإن ١٩٨٤ قراءة فيها من الأهمية الكثير. أرجو أن تجد وقتاً له.

عادة ما أبحر في تفاصيل وأحملها ما لا تحتمل!

بانتظار (استنادات) جديدة :)

لقد قمتُ بتحميل الكتاب حقًا وشكرًا لأنك أشرت إليه

لا بأس أن نبحر في التفاصيل لكنني أردتُ فقط أن أفصل بين عالمين

مساؤك سعيد ..

العفو.
الكتاب قد يكون فيه بعض التفاصيل الصادمة وكذا الوحشية. فقط أحببت قول ذلك.

مساؤك طيب

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.