14‏/03‏/2016

انفجار عظيم؟ نعم.. لا



أطلَّ البروفيسور المصري أحمد فرج علي بجامعة بنها وسوريا داس Saurya Das من جامعة ليثبريدج بورقتهما العلمية المعنونة بـ Cosmology from quantum potential التي تتنبأ بأن كوننا أزلي بلا بداية وأبدي بلا نهاية، أي بلغة الفيزياء بلا انفجار عظيم ولا انسحاق عظيم.
بالإضافة إلى ما قد تحدثه هذه التنبؤات من ضجيج في الأوساط الدينية والفلسفية وحتى الفنية، بدا أنها ستثير ضجيجا أكبر في الأوساط العلمية، فما الذي يشغل فيزياء يومنا هذا غير بداية الكون ونهايته؟
لم أستطع فهم البحث جيدا فاستعنت بصديقي العراقي على الفيس بوك -وهو بالمناسبة كاتب في العلوم الحقيقية- المهندس Faissal Alamry. رحب بي كعادته، وأجاب على سؤالين طرحتهما بكل هذا الكرم والعمق. 

سأترككم مع المحادثة... 


هل حقا يمكن الاستغناء عن الانفجار العظيم كنظرية كونية؟

لا أعتقد. كانت هناك نظرية الكون الدائم Steady State theory لتوماس غولد وهرمان بوندي وفريد هويل.لكن نظرية الانفجار العظيم جاءت بعد رصد إدون هابل للكون واكتشاف أنه يتألف من عدد من المجرات في حالة تباعد عن بعضها البعض. اضطر آينشتاين إلى أن يتخلى عن صيغة ما يعرف بأينشتاين ديستر -هي صيغة مشتركة بين ألبرت آينشتاين ودي ستر عالم الريضيات الفرنسي- الذي افترض فيه أن الكون نموذج ثابت مؤلف من الزمكان الكوني، و طرح مفهوم الثابت الكوني.

أضاف جورج غاموف وجورج لامتر إلى نظرية الانفجار العظيم العديد من الفرضيات، لكن فريد هويل عالم الفلك البريطاني أو الفيزياء الكونية رفض هذه النظرية وأطلق عليها تسمية big pang أي الضربة العظيمة أو الانفجار العظيم. ألكسندر فريدمان طرح افتراضين حول تناظر الكون: الأول ينص على أن الكون متناظر في جميع اتجاهاته، و الافتراض الثاني ينص على أن الافتراض الأول صحيح اذا ما نظرنا الى الكون من مكان آخر. و قد طرح ثلاث احتماليات حول هذين الافتراضين الأولى تنص على أنه إذا كانت كثافة المادة في الكون أقل من الكثافة الحرجة critical density البالغة وفقا لحسابات أخرى تتطلب قراءة أو اطلاعا 8×10-30 جم/سم3 فإن الكون بدأ بانفجارعظيم ويحتوي على عدد محدد من المجرات ويتخذ الشكل الكروي ويستمر بالتمدد حتى يصل إلى مرحلة تتجمع فيه المجرات ويبدأ الكون بالانكماش ومن ثم تطرأ عليه حالة شبيهة بالانفجار العظيم تعرف بالانسحاق العظيم big Crunch. الاحتمال الثاني أنه إذا كانت كثافة المادة في الكون أكبر من الكثافة الحرجة فان الكون بدأ بانفجار عظيم ولا يحتوي على عدد محدد من المجرات بل عدد لا نهائي ولا يحتوي على حواف كروية. والاحتمال الثالث هو الكون المسطح الذي يملك نفس مواصفات الاحتمال الثاني والذي أيضا بدأ بانفجار عظيم ويحتوي عددا لانهائيا من المجرات ولا يحتوي حواف كروية عندما تكون كثافة المادة مساوية للكثافة الحرجة، وهذا الاحتمال طرح من قبل هوارد روبرتسون. هذه الاحتماليات تدعم نظرية الانفجار العظيم.
فرضية الإشعاع الرجعي التي طرحها جورج غامووف والتي تفترض أن هناك إشعاعا في الكون موجودا ببضع درجات فوق الصفر المطلق تولد عن تفاني المادة وأضدادها في بداية الانفجار العظيم تم رصده من قبل روبرت ويلسن وارنو بنزياس من خلال رصد خلفية اشعاع موجة المكرويف الكونية Cosmic Microwave Background Radiation وهي إحدى حزم الأشعة الكونية، وتم تأكيد هذه الفرضية عام 1990 من خلال القمر الصناعي كوبي.

هناك صيغة نظرية التوحيد الإجمالية وهي صيغة افتراضية تفترض أنه قبل فترة وجيزة جدا من حدوث الانفجار العظيم تقدرهذه الفترة بـ 10-43 ثانية تعرف بفترة عصر بلانك تولدت طاقة التوحيد الإجمالية التي تكافئ طاقة بلانك التي تبلغ 2 مليار جول أي ما يعادل 1.2×1028 إلكترون فولت والتي توحدت اعتمادا عليها القوى الأساسية الثلاث في الفيزياء: النووية الشديدة والنووية الضعيفة والكهرومغناطيسية بقوة واحدة هي القوة الموحدة العظمى.

هذا فيما يتعلق بنظرية الانفجارالعظيم أما فيما يتعلق بهذه الورقة فسأوجز لك ما هو موجود بالخلاصة. هذه الورقة تدور حول نظرية أو معادلة QRE  Quantum corrected Raychaudhuri Equation وهي معادلة ضمن النظرية النسبية العامة طرحت من قبل الفيزيائي الهندي رايشودري والسوفيتي لاندو. هذه المعادلة تصف حركة المادة بشكل دقيق وتتعلق بصيغة روجر بنروز وستيفن هاوكنغ المتعلقة بالحالة التفريدة singularity التي تفترض أن بداية الكون حالة تفردية. الحالة التفردية هي الحالة التي لا تنطبق عليها قوانين الفيزياء وتتكسر عندها قوانين الفيزياء وتمثل داخل الثقب الأسود. هناك معادلة فريدمان الذي مر ذكره من الدرجة الثانية اشتقت اعتمادا على نظرية QRE وتحتوي على صيغتي كم تصحيحيتين، هذه الصيغ عامة ولا يمكن تجنبها وتتبع بشكل طبيعي وصفا قائما على ميكانيكيا الكم لكوننا، في البداية يتم استحداث ثابت كوني أو ملاحظة مقدار طاقة مظلمة صحيح، والطاقة المظلمة تشكل النسبة الأكبر من الكون تبلغ 72% من الكون، وهي مصدر لقوة عزم تمددي تعمل على توسيع الكون وهي قوة مضادة للجاذبية.


وأيضا تتضمن هذه الورقة افتراض أن الغرافتون (كم الطاقة التي تحمل عليه الجاذبية وفقا لنظرية الكم) يمتلك كتلة خلافا لما هو مفترض.
 و الصيغة التصحيحية الثانية تفترض عودة تفردية الزمن، وقد ذكرنا معنى التفردية بشكل مستقل، والتي تتنبأ بالكون الدائم المستمر وتكون هنا حالة اللاتجانس واللاتناظر غير متوقعة ولا تعطي أي نتيجة واضحة.
و هنا يتم الحديث عن أن الكون يخضع للنسبية العامة والتي تفترض أن الكون عبارة عن مشبك زمكاني نسبي ينحني ويتأثر بتأثير الجاذبية، وأن صيغة جاذبية الكم تكون مهملة.



لكن هل من الممكن أن يكون الكون موجودا باستمرار بلا نقطة بداية؟

النظرية النسبية العامة تخضع للتصحيحات الكمومية (نظرية الكم هي نظرية واسعة تأسست اعتمادا عليها الفيزياء الحديثة وتتناول دراسة الفيزياء الميكروسكوبية حيث إنها تتعامل مع الأنظمة الذرية التي تتألف منها الذرات والأنظمة الكمومية التي هي أصغر من الذرات وتتعامل مع جسيمات المادة والأساسية منها 12 هي الكواركات quarks الستة: العلوي والسفلي والغريب والجذاب والقعري والقمي. والكواركات هي التي تؤلف الهادرونات التي تشكل التركيبة النووية للذرة مثل البروتونات والنيوترونات التي تتألف من الكواركات السفلي والعلوي، و تتعامل مع القوى الأساسية الأربع وهي: النووية الشديدة التي تحكم ترابط الكواركوت مع بعضها ضمن الهادرونات وتحكم ترابط الهادرونات مع بعضها ضمن تركيبة نواة الذرة وتحمل على كم طاقة جسيم افتراضي لا يمتلك كتلة وإنما يمتلك مستوى طاقة يدعى غلوون، والنووية الشديدة هي أكبر أنواع القوى من حيث التأثير لكن أصغرها من حيث مدى التأثير حيث تأثيرها لا يتجاوز نواة الذرة البالغ قطرها 10-14 مترا، والنووية الضعيفة التي تحكم الانحلالات الجسيمية والنوى الذرية وتحمل على جسيمات مادة تمتلك كتلة وهي حوامل الطاقة الوحيدة التي تملك كتلة وهذه البوزونات هي W+, W-, Z و تبلغ نسبة تأثيرها إلى النووية الشديدة 10-13 مرة، والقوة الكهرومغناطيسية وهذه القوة تتولد من الجسيمات المشحونة وتؤثر على الجسيمات المشحونة وهي التي تحكم ترابط الجسيمات المشحونة بشحنتين مختلفتين مثل ترابط دوران الإلكترونات سالبة الشحنة حول النواة موجبة الشحنة ضمن تركيبة الذرة و تحمل على كم طاقة لا يمتلك كتلة وإنما مستوى طاقة يعرف بالفوتون وهو الذي يشل حزم الموجات الكهرومغناطيسية مثل أشعة غاما المتولدة من الانحلالات النووية وهي الأعلى من حيث الطاقة والتردد والأقصر من حيث الطول الموجي وتأتي بعدها أشعة إكس من حيث الطاقة والتردد والأقصر من حيث الطول الموجي ثم الأشعة فوق البنفسجية ثم أشعة الضوء المرئي الذي تتراوح تردداته ما بين 4 الى 700 ترليون هيرتز وطوله الموجي 700 نانو متر ، ثم الأشعة تحت الحمراء التي تمثل النسبة الأكبر من الطيف الحراري، موجات المايكرويف التي تستخدم لنقل البث التلفزيوني وحزم النت وموجات الاتصال كما يحدث الآن بيني وبينك! وهي ثاني أقل موجة من حيث الطاقة والتردد وثاني أكبر طول موجي بعد موجات الراديو التي هي أقل موجات من حيث التردد والطاقة وأكبر طول موجي، و تبلغ نسبة تأثير القوة الكهرومغناطيسية إلى النووية الشديدة 1\137. وأضعف أنواع القوى من حيث التأثير وأبعدها من حيث مدى التأثير هي الجاذبية تحمل كما قلنا وفقا للكم على الغرافتونات لكنها أي الجاذبية تخضع لعدة تفسيرات وتبلغ نسبة تأثيرها إلى النووية الشديدة 10-30.

هنا مختصر هذه الدراسة تعتمد على إعادة صياغة جاذبية الكم وفقا لأبحاث الثابت الكوني وكانت هذه صيغة دعمت الكون المستمر الدائم لكن لا يعني أنها أثبتت صحتها ولا يعني أن نظرية الانفجار العظيم غير صحيحة.


صفحة المهندس

المصدر: http://arxiv.org/pdf/1404.3093.pdf

3 التعليقات:

قرأتها حين نشرتها ولم أفهم (كثيرًا). قرأتها ثانية والفرق الفهمي بين القراءتين يسير ولا يشي بإمكانية تعليق مفيد أو حتى تساؤل ذي جدوى. ولهذا فقد كتبت ما ترى كتعليق! :)

على الهامش: كيف نحكم على أهمية إدراك أو اليقينية بماهية نشوء الكون. أو هو هو إلى امتداد وهل هناك عوالم معيشية ذات مناحي حياتية مشابهة (نوعًا ما) لأرضنا؟

أهو ترف علمي فكري؟ هل مسعانا لنعيش في كوكب ثان يستحق المثابرة؟ ألا يمكن أن نطور معيشتنا الحالية ها هنا؟ ومن ثم (أو بالتوازي) نفكر بالكون واتساعه ومدى قدرتنا على (قهر) عوالم أخرى؟

أأولوياتنا صحيحة؟

العزيز رمزي
شكرا جزيلا لك ولمحدّثك على الحوار الممتاز والمفيد.
ذكّرني هذا السجال ومحاولات الإثبات والنفي بما صرّح به العالم ستيفن هوكنغ قبل أشهر من انه لا وجود للثقوب السوداء، الأمر الذي سبّب عاصفة من التساؤلات والقيل والقال في الأوساط العلمية.
وطبعا اتفق مع آخي هيثم في أن الأولى هو الحفاظ على كوكب الأرض من التلوّث والإتلاف الممنهج بسبب الجشع وانعدام المسئولية، خاصّة من طرف الدول العظمى.
تحيّاتي ومودّتي لكما.
بروميثيوس

أتذكر الجدال الذي طغى لعدة أيام حول قول ستيفن هوكنغ ذاك. إذا كانت الثقوب السوداء غير موجودة وأن المادة (الطاقة) يمكن لها الإفلات (بحسب قوله + بحسب ما فهمته من قوله!) فإذن كيف بتم إعادة تشكيل المادة بشكل آخر؟ أقصد ما هو الوسيط؟ (في حال عدم موجود ثقب أسود).

أسئلة كثيرة وجلها أكرره كبعًا مما قرأت ولا أدعي أي علم عميق أو خلافه بالمسألة.

ما يشغلني بصراحة هو آلية توصّل ستيفن هوكنغ لهذا المنحى الجديد. لم أقرأ عن أي أحد ناقشه بالمسألة أو النقطة هذه تحديدًا وإنما لأنه نفى ما كان شائعًا وطلع بالجديد الآن فحسنًا.. لنسبر غور هذا الجديد.

أليست هذه متوالية مشابهة للإيقان بنظرية وجود الثقوب السوداء وما لذلك من تداعيات شتى؟
أدرك أن الأمر ليس بسيطاً وأن هنالك تمحيصًا قد جرى من شاكلة ما ولكن كيف ننبذ (علمًا) ما بسرعة وننغمس في الجديد هو مركز كلامي. ألا يجدر بالانتقال ألا يكون بهذه السلاسة؟

*هيثم شرّق وغرب!*

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.