21‏/07‏/2015

الفرويديُّون الجُدد





بعض الذين قرأوا محاولتي لفهم الإدمان "من الذي أدخل يده في جيبي؟" بلا شكٍّ، دُهشوا من بعض التفسيرات الاعتباطية للإدمان مثل موضوع "كيف نمنح حسن قطعة حلوى؟" الذي حاولت فيه أن أفسر الحاجة إلى التدخين -في بعض الحالات- بانتكاس في الشخصية يعيد المدمن إلى مرحلة طفلية (المرحلة الفموية)؛ وهذه فكرة فرويديّة تماما.
لقد تأثرت بأفكار سيجموند فرويد، ولم أزل أتأثر نفسيًّا وأدبيا، ولكنني عند مرحلة معينة من التفكير في مذهبه المثير والجدلي، هدأتُ وقمت بمقارنة واقعية بين فرويد والعالم الخارجي. إن مذهبه عالمٌ شاسع.. ومظلمٌ أحيانا. أفكاره عن عُقد الطفولة مخيفة، وكذا أفكاره عن الأنوثة. ولا عجب من هذا، ففرويد كان رجلا مولعا بالأساطير وجمع الآثار. والقارئ لفرويد يجد حتى بعض الأسماء الأسطورية، مثل (أوديب: شخصية أسطورية) و(إيروس: قوة الحب والجنس عند الإغريق) و(ثانتوس: قوة الموت والدمار).
يرى فرويد أن الشخصية مركبة من ثلاث طبقات: الهُو والأنا والأنا العُليا. وأنها -أي الشخصية- تتشكل أثناء الطفولة في خمس مراحل (استعرضتُ هذه المراحل في تدوينة سابقة). وأن اللاوعي هو مخزن الرغبات والذكريات والأفكار غير المقبولة. وأن هناك ست طرق دفاعية تقاوم بها النفسُ القلقل الناتج من الدوافع. هذا موجز لمذهب فرويد النفسي. بعيدا عن مذهبه الديني أو الأدبي أو التاريخي.*
ومن الجيد أنني اطّلعت مؤخرا على بعض أفكار علماء النفس الذين يتفقون مع فرويد ويختلفون معه، الذين يُدعون حاليا (الفرويدون الجدد). وهم الذين اتفقوا مع مذهب فرويد الذي اقتبستُه للتو. ولكنهم يختلفون معه في أنهم يعطون الوعي أهميته في تفسير الخبرات والتعامل مع البيئة.* ويعارضون فكرة أن الجنس (إيروس) والعدوانية (ثانتوس) هما كل الدوافع الإنسانية. وهذا ما ذهب إليه هو بكل جدلٍ وجرأة.
ألفرد آدلر صاحب نظرية عقدة النقص (وهو تلميذ فرويد) وكارين هورني المحللة النفسية الألمانية رأوا أن الطفولة مهمة في تشكيل الشخصية، ولكن الجانب الاجتماعي لا الجانب الجنسي منها. آمن آدلر بأن معظم تصرفاتنا هي محاولاتنا للتغلب على المشاعر الطفولية بالنقص والسعي للحصول على الكمال. وآمنت كارين هورني بأن قلق الطفولة الذي يسببه شعور الطفل بعدم السعادة هو الدافع لرغباتنا إلى الحب والبحث عن الأمن. ولعل أنوثتها جعلتها ترفض تقليل فرويد من شأن الأنثى واتهامها بأن الأنا العليا لديها أقل من تلك التي لدى الذكر (الأنا العليا تعني الأخلاق والمثالية) وأنها -أي الأنثى تعاني مما سمّاه فرويد "حسد القضيب! Penis envy". تقول في كتابها (علم النفس المؤنث Feminine Psychology): "رؤية أن الأنثى هي مخلوق طفلي وعاطفي، وبالتالي، غير قادر على تحمل المسؤلية والحرية هو ما تميل إليه الذكورة من تقليل احترام الذات الأنثوية".*


الذين عرفوا فرويد، عرفوا كارل يونغ. وكذا الذين شاهدوا فيلم A Dangerous Method. إنه تلميذه الذي انشقَّ عنه ورفض الكثير من أفكاره. ولكنه على عكس الفرويديين الجدد لم يعِر العوامل الاجتماعية اهتماما كبيرا واتفق مع فرويد في أهمية اللاشعور وتأثيره القوي. ولكن بالنسبة إلى يونغ، اللاشعور ليس فقط مجرد مخزن للمشاعر والذكريات والخواطر. بل لبقايا الذكريات التي نتشاركها وراثيا عبر تاريخنا النوعي.* شيءٌ يشبه فكرة علم النفس التطوري. وهذا هو ما أطلق عليه "اللاشعور الجمعي".


مذاهب فرويد جذابة، أثرت في الكثير من الأفكار المعاصرة، بل في الحضارات المعاصرة كالحضارة الغربية التي ما زالت قائمة على مبادئه "اكرهْه، أو أحبَّه". ولكن مذهبه النفسي مقعد ومتعسِّف. يفتقر إلى الواقعية ويغلب عليه الخيال والأسطورة والشهوة. وعلم النفس المعاصر اطّلع على الجينات، وبحث كثيرا في الذاكرة، وأثبت أن تطور الشخصية يحدث طوال الحياة، وليس كما زعم هو أثناء الطفولة فحسب.*
* المقاطع المذيّلة بهذه العلامة مُترجمة بتصرف شديد عن Exploring Psychology – David G. Myers.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.