حسن، اللاهث خلف اهتمام.
سأنوه بأن تقسيمي لدوافع صديقنا المدمن كان مرتكزا على أساسٍ بيئي. فبحسب كل بيئة نعيش فيها يحق لنا أن نستنبط مشكلاتنا. وحاجة حسن إلى الحب كما تحدثنا عنها سابقا تكون أشد التصاقا ببيئته الأسرية أكثر من الحاجات الأخرى. كما أن رغبته الجنسية مستمدة من بيئته الداخلية (الذاتية). وقد حاولنا فهم هذه الحاجات المعقدة وربطها ببيئاتها المختلفة.. ولم نزل.
أما حسن اللاهث وراء اهتمام فهو يوجه حواسه كل مرة إلى مجتمعه الأوسع نطاقا. إننا نحتاج جميعا إلى مجتمع إنساني ولو مجاملةً!
لا نقلل من اهتمام أسرته به واهتمامه بنفسه. ولكن، كما قدَّمنا، حسن يفسر هذه الاهتمامات بغير المفهوم المجتمعي لها. فهو ينظر بعين العطشان إلى حب في أسرته، والشهواني في قرارة نفسه.
لا نقلل من اهتمام أسرته به واهتمامه بنفسه. ولكن، كما قدَّمنا، حسن يفسر هذه الاهتمامات بغير المفهوم المجتمعي لها. فهو ينظر بعين العطشان إلى حب في أسرته، والشهواني في قرارة نفسه.
ومهم التنبيه إلى أنني لا أقلل من ضرورة قوة علاقة المؤمن بربه (الأخلاق)، ولكن هذا جزء من علاقته بذاته {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}. ولن يتعرف أحدنا إلى ربه إن كان يجهل نفسه. هذا معقول لا ريب فيه. كما أن من المهم أيضا التنبيه إلى أن الانحراف قد يكون جزءٌ منه متعلقا بالفهم الخاطئ للرب والابتلاء، وحتمية الأقدار، وأن الناس لا يد لهم فيما يصنعون. وهذا إن يكن نتيجة خاطئة فإن أساسها الخاطئ هو الوعظ الجاهل الذي يعمى عن كل جوانب النفس إلا النفس المطمئنة منها.
لذا، من الخطأ ممارسة الدعوة الدينية للمدمن بادئ الأمر؛ لأن المدمن سيصطدم بعقبات أكثر تعقيدا من الإيمان والخوف من الله. وفي الأسرة وفي المجتمع وفي الذات -حتما – سيعثر على الله ورحمته الأوسع من كل شيء.
وفي المجتمع، تتجلى حاجات أحدنا إلى اهتمام في شخصيته. والشخصية منذ بدأ الإنسان يلتفت إليها ويعيرها انتباهه هي من أشد المركبات النفسية تعقيدا. ولكنني هنا لا أتحدث عن الشخصية بل عن الحاجة إليها. بأسلوبٍ أيسر: الرضى عن الذات باعتبارها جزءا من المجتمع.
لا أحد ينكر تأثير المجتمع فيه. ولا أحد يجسر على رفض أياديه الجميلة مهما كان ذلك المجتمع.
لا أحد ينكر تأثير المجتمع فيه. ولا أحد يجسر على رفض أياديه الجميلة مهما كان ذلك المجتمع.
الحاجة إلى اهتمام الناس في الخارج تتخذ أشكالا متعددة يصعب حصرها: منها الاجتهاد المدرسي، الإبداع، الحرص على جمع المال... وأمثال هذه الأشكال التي يصنعها اللاشعور في محاولة للبحث عن وطن.
ولا نُصيب إذا توهمنا أن المجتمع الذي يتفاعل معه اللاشعور هو عالم أو مدينة أو حي من خمسة آلاف نفس! كلا، فقد يجد اللاشعور مجتمعه في أسرته، مدرسته، المسجد، الشارع، المقهى، وصولا إلى أن يصير الإنسان هو مجتمع نفسه، وهذه حالة نادرة لا يصل إليها سوى فيلسوفٍ أو صوفي.. أو مجنون.
إن اللاشعور فعلًا قد يجد مجتمعه في ذاته. ولا تخلو حالة كهذه من اعتلال نفسي (نرجسية) أو تعلُّق فكري، وبينهما خيوط طفيفة قد أعرض لها في دراسة أخرى. نجد بعض العلماء يلجأون إلى العزلة المستديمة ويكرهون الخروج إلى الناس؛ ربما لأنهم اكتفوا بها مجتمعا. وفي المقابل نرى الفارغين من الناس لا يطيقون البقاء لوحدهم. وهذا تفسير قد يصح لحالة اللاشعور وكيفية نظره إلى المجتمع.
مجتمع حسن ليس أسرته، ولا زملاء المدرسة، ولا جماعة المسجد.. إن في كل هذه البيئات روائح مجتمع لا يهتم به البتة. ولكن مجتمعه الحقيقي والمفضل هو ثلة من الأصدقاء الذين يشبهونه في غاية البحث عن اهتمام. الذين يحملون قِرَبًا فارغة وأفواها فاغرة. لهذا نجده يتدرج من التدخين بسرية إلى المجاهرة. وكأنه يثبت لنا أنه انسلخ من كل معاني المجتمع التي كان لا يزال عالقا بها، ويعلن عضويته المزيفة في مجتمع يجد فيه كل الاهتمام والأخلاق الحميدة.
لا ذنب له، هو يبحث عن عالم يعيش فيه حبا غير مشروط. وهذا ما يتوهمه في رفقته الجديدة، وهذا للأسف ما لم يجده في أقرب الناس إليه.
مسكين حسن..
مسكين حسن..
0 التعليقات:
إرسال تعليق