20‏/07‏/2015

من الذي أدخل يده في جيبي؟ (10)




الحاجة إلى حب
ينظر حسن إلى أقاربه في أسرته وخارج أسرته على أنهم مقصرون في حبه، وأنهم عاجزون عن منحه الحنان الذي يستحق. فتستحيل هذه النظرة في نفسه إلى ردة فعل منحرفة، قوامها "أنني الآن أعلن إفلاسي من الحنان". فيفتعل التصرفات التي يعتقد أهله أنها شاذة وشريرة، ويمارسها على غير رضى منه. ودليل عدم رضاه أنه قد يتركها بسرعة إذا ما حصل على ما يريد. ثم يصر عليها ويعاند عندما تخفق محاولاته في الوصول إلى الغاية المطلوبة. وهو في هذه الحال أشبه بعطشان في الصحراء، جعل من قربته الفارغة محطَّ آماله ولو كان يعلم أنه يخدع نفسه.

الجيبُ (النفس) إذا أُهين وأفلس من حب، لا يتمزق، ولكنه يمتلئ بالتُراب!
الجيد في الأمر أن هذه الأساليب الاضطرارية عارضة حتى لو رسخت في حياة المدمن، ويمكن التنقيب عنها وتحطيمها بهدوء.
الأسلوب الاضطراري في حياة حسن -من ناحية الحاجة إلى حب- هو الخروج مع أصدقاء لم يقتنع بهم يوما، ولكنه يجد فيهم ما يلبي نداءات حاجته وحرمانه، ويلتمس في الساعات الطويلة التي يقضيها معهم الرثاء لحاله والتعزية في نفس الوقت.
إذا وجد حسن (الطفل) الحلوى التي يصيح ويصرخ في سبيلها -وهي الحنان- فإنه سينجح في التخلص من أصدقائه -هذا إن صح تحليلي لحالته- بمجرد عودته إلى رأيه الأسبق فيهم وهو أنهم منحرفون. وبهذا نحن نتخلص من أكبر عامل في إدمان حسن، أو سعيه وراء الإدمان.
وفي الحقيقة، لن يتخلص حسن من عوامله على فترات، إذ يستحيل هذا في حين يعتقد هو -باطلا- أنه مصيب. وإنما سيتخلص من كل عامل في الوقت المناسب من المدة التي سيتخلص فيها من كل العوامل؛ كلٌّ في وقته الأنسب، وليس كل عامل على حدة.
وحتى ندرك أهمية هذا، فإن حصول حسن على هذا الخلاص لن يكون إلا ببعده عن أصدقائه، وبعده عن أصدقائه لن يتم إلا بحصوله على الحنان غير المشروط من أقاربه، وحصوله على الحنان غير المشروط مرهون بإصلاح اعتقاد أهله به وإقناعهم بأنه جميلٌ وصالح في داخله ولو بدا لهم خبيثا حين يدخل برائحة السجائر التي تزعجهم... إذن، نحن بإزاء مشكلةٍ اسمها الزمن. وطالما كان الزمن مشكلة! والزمن أقصد به أن نكون حكماء في توقيت مساعدتنا لحسن. فلا نقنعه بتجنب المشي مع أصدقائه الحنونين في نظره ثم نمكث فترة طويلة لننصح أهله بمنحه الحنان الذي يستحق. فهذا سيعيده إلى أصدقائه رغما عنا وعنه. ولكن الحكمة هي أن يتزامنَ حنانُ أهله مع إقناعنا له بفساد صحبته. وكل هذا لنمكنه من المعايرة بين الحنان الذي يجده هنا وهناك، ومن ثم الحكم على أيهما الأشد إخلاصا.
هذا ما يخص حاجته إلى حب، وسنستعرض لاحقا حاجاته الأخرى التي لا تقل أهمية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.