21‏/07‏/2015

كم كانت شاشة حياتي صغيرة






أحيانا أشعر بالسخط العام، أقرأ مقدمات كتب مملة وباردة لسارتر وكولن ولسون، وأتسكع على سواد رواية حُرمت من الترجمة الحقيقية، أقوم بتحميل ثلة من كتب عبد الرحمن بدوي ولا أقرأ منها شيئا، فلتجرب قراءة الجزء الخاص بابن سينا في موسوعته الفلسفية!
أحاول التحدث إلى البعض فأجدهم أقل قيمة من كتاب (نظرية الفوضى لجيمس غليك)، فألجأ إلى الاختلاء بخيالي فأصطدم بتذبذه وعدم استقراره كما يحدث عندما تصطدم بأحداث (قصة الصبر لجوستاين غاردر).
أقرر النوم في النهاية، لأستيقظ بقائمة أحلام طويلة منسيّة التفاصيل.
يحدث أن نكون رتيبين وعديمي القيمة مثل بيل موراي في فيلم (يوم جراوند هوغ).
لكن كتابا مُحكما ورائع الترجمة قد يرضيك ويسافر بك إلى حيث تجد أن قوس المطر صار في جيبك. أتحدث خصوصا عن بدايات إسحق آسيموف (أو عظيموف كما قد يُترجم!).
يحتل هذا الكتاب (البدايات) رقم 278 في قائمة كتب المشروع القومي للترجمة تحت إشراف الدكتور جابر العصفور، وهو من ترجمات ظريف عبد الله.
إن كنت ممن يعشقون البدء في الأشياء [فقط] فأنصحك بقراءته، ثم أرجو منك الاستمرار في أعمالك.
في هذا الكتاب، يدهشك المؤلف بأنه عندما يقول "بدايات" فهو يقولها بكل جدية! إن عنوان الكتاب ليس دعايةً كما نقرأ هذه الأيام. فهو يتناول البدايات في أقسام أساسية في علومنا وحياتنا. مثل بداية التأريخ (التقويم) والحضارة، ثم يخوض في بدايات تطور الإنسان ويرحل معك (الظلّ بجوار الظل) حتى تصلا إلى بداية الحياة على الأرض، وبعد هذا تستأجران سفينة فضائيا للاطلاع على بداية المنظومة الشمسية والقمر.. انتهاءً ببداية الكون.
يقع مؤلفو كتبٍ من هذا النوع في خطأ الاختزال الذي يجعلك تضرب برأسك في أقرب جدار. أما هو فتجاوز هذا المستوى بكثير، إذ يبسط لك في كل بداية أسبابها وعواملها ونتائجها، ويؤرخ بدقة للتسلسل الزمني والتسلسل الفكري الخاصين بالموضوع الذي تناقشانه. بلغة علمية ممزوجة بأسلوب أدبي خلاب. وبعض الاستطرادات المملة أحيانا كما قد يُتوقع من كيميائي يحترف تأليف الخيال العلمي.
لغة الكتاب بسيطة، وخالية من تعقيدات عبد الرحمن بدوي وهو يترجم لسارتر، وفصوله تكاد العلاقة بينها تكون غير ذات قيمة. فإذا كنت مطلعا على تطور الأسماك -مثلا- واحتجت إلى القراءة في نظرية الحساء العضوي فلن تتجشم العودة إلى فصلٍ آخر. وهذا جيد بالنسبة للدارس الذي يهمه أن يعيد قراءته مرتين وثلاثا. لذا أقترح عليك قبل أي شيء أن تطبع الفصول في مجموعات، لتستمتع بقراءتها في ساعات الفراغ أثناء عملك أو في محاضرة لبروفيسور في جامعة جازان.
أنهيت نصف الكتاب على الشاطئ ليلا، فرّغتُ له عشر ساعات من ليل البحر وبدايات صباحه الأشهى من صبية ترقص. لم أتوقف إلا لمتابعة اختمار القمر ببعض السحب ثم إسفاره، وتتبُّع بطَّة رائعة تشق الماء بصدرها المتطاول والمنفوخ. من شاشة جوالي الصغيرة رقيتُ إلى مجرَّة أندروميدا وتسلقت سحابتي ماجلّان.. وعرفت كم كانت شاشة حياتي صغيرة ومتحيزة.
هناك كتب رائعة من هذا النوع، يطيب لي أن نتشاركها عندما أعود من البحر في المرة الآتية..

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.