20‏/07‏/2015

من الذي أدخل يده في جيبي؟ (3)



ما هي هذه "الأيدي؟
في كتاب  “I am OK, You are OK”يقسم توماس هاريس (المؤلف) التسجيلات (الاستجابات) التي قد نخضع لها في حياتنا إلى ثلاثة أقسام. ويطلق عليها “The Parent, Adult, Child Model” نموذج الوالد، الراشد، الطفل. 
وهذا تقسيم معقول وقيِّم في التعامل مع الآخرين أيا كانوا إذا علمنا أن "الوالد" هو الأنا (الذات) التعليمية. أي كل الأوامر والنصائح والتلقينات التي يمكن أن يسمعها أحدنا في حياته أو يمارسها. وهي مأخوذة من حرص الوالد وصرامته. وأنَّ "الراشد" هي حالة الاستقلالية والانفرادية. أي كل ما يصدر منا أو منهم بتعقُّل ورزانة ولا يحمل أية أوامر أبوية أو انفعالات طفلية. إذن "الطفل" هو الأنا الانفعالية. أي التصرفات التي تصدر من الطفل الذي يسكننا ويأبى إلا أن نرضيه بتلبية رغائبه وحاجاته. 
وحتى تكتمل الفكرة، هذا مثال ظريف سأحاول به توضيح هذا النموذج. 
الوالد: لمَ لا تأكل؟ 
الوالد: كُل أنت يا عزيزي!
الوالد: لمَ لا تأكل؟
الراشد: سآكل الآن.
الوالد: لمَ لا تأكل؟
الطفل: وما دخلك أنت؟!
ما إن انتقل حسن إلى مرحلة دراسية أخرى حتى مارس سلوكا غير متوقَّع؛ السرقة. لقد سرق والده وأمه وإخوته.. لقد سرق كل شيء. ولكنه -وهذا غريب جدا- لم يسرق من خارج البيت إطلاقا. وربما كان لهذه البداية أثر كبير في فقدان والده الثقة به وإهانة أهل البيت له. حسن الآن، أقل ما يُقال عنه "سارق". 
السؤال الذي أحاول به إيضاح أن حسن لم يكن يرغب في أن يكون سارقا هو:
- لماذا لم يسرق حسن من خارج البيت؟ 
والإجابات تتعدد هنا. ولأنني أتكلم عن شخص بعينه، فقد تكون الإجابة الأنسب:
- لأنه لا يحتاج إلى المال!
حقا، ليس كل السارقين بحاجة إلى المال. قد يكون السارق باحثا عن رغبة ما لم تتحقق، قد تكون السرقة أسلوبا للهروب من احتقار المجتمع، وقد تكون طلبًا للنجدة من قبضة الإهمال. وهذا هو حال حسن. 
إن الإمساك بالسارق لأول مرة والصياح في وجهه "يا مجرم" هو ما سيصنع منه مجرما في النهاية. 
حسن كان يسرق مال والده وكأنه يقول له "أرجوك، عاقبني". ويسرق أموال إخوته ويطالبهم بذات الحاجة إلى عقوبة واهتمام. 
إن شخصا في مثل حال حسن لن يُلام على كرهه للجلوس في البيت ومخالطة أفراد أسرةٍ يخبئون عن عينيه أموالهم، ويلاحقونه إلى حيث ذهب؛ توجُّسًا منه وخشية من أن يلتهم الأموال التي تقع عليها يده. 
وما هي إلا أسابيع قليلة حتى انتهى حسن تماما عن السرقة، وبدأت رائحةُ السجائر الرخيصة تفوح من ملابسه وفمه. 
هنا نستطيع أن نراهن على أن أسرةَ حسن هي التي رمت به في هذا العالم البائس.. أسرةُ حسن غيرُ حكيمة أبدا. 
وما أجمل أن نخرج من هذا الجزء بالمقولة الشهيرة "في كل واحدٍ منا طفلٌ غيرُ راضٍ". ونعمل على مراعاة أطفالنا وفهمهم؛ لئلا يخرجوا علينا حين لا نستطيع أن ندرك ما إذا كانوا أطفالا أم راشدين.. أم آباء نزقين!


0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.