22‏/07‏/2015

من منا مريض نفسي؟





من منا مريض نفسي؟
"بالنظر إلى الإصدار الجديد من كُتيِّب التشخيص النفسي المُعد للنشر العام القادم، قد تعتقد أن كل شيء تقريبا هو مرض نفسي" [Paula J. Caplan, Ph.D. 2011].
لعلنا جميعا نحمل هاجس "المرض النفسي" ونتساءل عن ماهيته ومن هو الذي يقرر أننا مرضى أو سليمين. سمعنا عن أشخاص تغير سلوكهم فجأة ووصفوا بالـ "مرضى"، ونحن أنفسنا نسمي المصحَّات النفسية "مستشفى المجانين". ما هو المرض النفسي عند علماء النفس والأطباء النفسانيين؟
الكتابان المعتمدان في التشخيص النفسي على المستوى العالمي DSM-5 و ICD-10 لا يجدان تعريفا محددا وواضحا للمرض النفسي. يركز الأول على الألم Distress و العجز Disability والأخطار المؤدية للموت أو الألم أو الإعاقة، أو فقد الحرية Loss of Freedom. بينما يهتم الثاني بالألم والتأثير على الوظائف الشخصية Personal Functions.
كما نلاحظ، التعريفات تختلف ولا تحدد بدقة ماهية المرض النفسي. وهذا هو ما أشعل ثورة الخمسينات والستينات Anti-psychiatry التي حاربت التصنيفات النفسية بوصفها غير مناسبة ومؤلمة. [Short Oxford Textbook Of Psychiatry, P: 23]. ولو أخضعنا أنفسنا للاختبارات المعدَّة للتأكد من وجود بعض الأمراض، لوجدنا أحيانا أن نتائجنا تشير إلى مرض أو مؤشرات مرض!



ومنذ ظهور علم النفس كعلم له مكانة وأهمية في المجتمع، ومن ثم ظهور تصنيفات كالفصام Schizophrenia والاضطراب الوسواسي القهري OCD والثنائية القطبية Bipolar، بدأ الناس يصنفون ويتعاملون مع بعضهم على أساس التشخيصات النفسية، هذا ما يسمى "الوصمة النفسية "Psychiatric Stigma.
نحن -في مجتمعنا- قد لا نعاني من هذه الوصمة؛ لسببين على الأقل: نحن لا نعطي علم النفس أهمية كبيرة ولا نعول عليه في تعاملاتنا، وديننا الإسلامي ينهانا عن جرح مشاعر الآخرين بنبزهم بالألقاب. وللسبب الأول جانب آخر سلبي على ثقافتنا، وهو واضح في المجتمعات التي ما زالت تداوي المصروعين والمكتئبين بالبخور والتمائم والمياه المقدسة.
إذن، أمامنا مشكلة تتمثل في التصنيف النفسي. إنه يضع خطوطا تحت أسماء المرضى النفسيين، ويصرف الأنظار عن قيمتهم الشخصية الاستثنائية، ويصمهم بالوحشية والخلل في التعامل والغموض... إلخ. هذه التبعات تدمِّر الشخص وتلغي الكثير من مصالحه. لكنه في الوقت نفسه ضروري لتمييزهم وإعطائهم الاهتمام والعلاج اللازمين. فهل نحن بصدد مشكلة لا حل لها؟ أم أن الحل ممكن؟
ما هي الحلول الممكنة؟ أهي في تغيير المصطلحات المتداولة في هذا العلم؟ أم في تضييق نطاق التعريفات الخاصة بالأمراض؟ أم في تعليم غير المتخصصين فن التعامل مع المريض النفسي؟ أم في الالتزام بالسرية حيال الاضطرابات التي لا يتوقع منها أن تكون مضرة بالآخرين؟
إنني أدرك ضيق اللغة عندما أود استعمال وصف دقيق غير "مرض". وأرى أن الرؤية المتشائمة لهذا المصطلح -خصوصا في علم النفس- تحتاج إلى تغيير. وإنني أنظر إلى البعيد وأرى الناس قد تصالحوا مع الأمراض النفسية كما فعلوا مع أمراض مثل السرطان Cancer والمتلازمات المختلفة Syndromes. فالطريق لم يزل طويلا أمام علم النفس؛ هذا العالم النامي بسرعة والمتطور بشكل ملفت للانتباه.
الذين يقررون وصفنا بالمرضى النفسيين هم الأطباء الذين يعتمدون على مصدرين رئيسين يضمان عددا من الأوصاف المختلفة ويكبران كل عام. فعدد الأمراض في DSM-4 بالتأكيد أقل من عدد الأمراض في الكتيب الإحصائي الحالي DSM-5. وسيكون الكتيب القادم أكبر بلا شك. وربما سنصل إلى نهاية مؤسفة إن لم تتغير بعض المعايير.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.