21‏/07‏/2015

اكتئابولوجي (3)






نومُك متقطع
نومُك متقطعٌ لأن يقظتك كذلك. تستيقظ عند السادسة (إن جاز تعبير: تستيقظ)، وتغسل وجهك، ثم تفكر قليلا في مشاغل اليوم، وبعدها تتناول إفطارا تتناوله كل يوم، تلبس ملابس تلبسها كل يوم، وتخرج إلى عمل تخرج إليه كل يوم. جيد، إنك تعيش صباحا آليا. كالآلة؟ ليس تماما ولكنه غيرُ روحي. أعني أن بداية يومك تخلو من استنشاق نسمة صباحية عليلة، والترحيب بالشمس الخجولة في بدايتها الدافئة، وقول "نهار جميل" لمن حولك. أنا لا أملي عليك ما تفعله عندما تستيقظ صباحا، ولكنني أخبرك بما أفعله.
نعم، أنا أنام نوما جيدا، ولو كان قليلا لأنني أحب أواخر الليل. هذه إجابة افتراضية على سؤال افترضت أنه نطَّ إلى بالك. أنت لا تستيقظ يقظة سلمية مع نفسك، فكيف ستنام نوما لا حرب قبله؟ اليقظة هي الفترة التي تصنَّع فيها مادة تُدعى "مادة ن"(1)، تأخذ في الازدياد كلما ازداد تعبك حتى تصل إلى ذروتها، ولهذا السبب نحن ننام. هذا ما تقوله إحدى نظريات النوم الحديثة. فهل ستسمح لهذه المادة بأن تنمو بينما تنام طول اليوم؟ أعني أنك ستنام نوما طبيعيا بمجرد أن تستيقظ يقظة رائعة. وهب أنك لم تنم؟ إذن، أنت استثناء من هذه النظرية وكان ينبغي على منظِّري النوم أن يوزعوا استبيانات على الناس قبل أن يناموا!
لا أمانع أن نجرب نظرية أخرى. يقولون إننا ننام لأننا نتعب كثيرا، وببساطة، حين يتوفر لنا جوٌّ مناسب، ننكفئ نائمين. وأحيانا نتعب أكثر فننهدم نائمين أثناء القيادة. ولكنك تتعب كثيرا وأكثر، ثم لا تنام على فراشك الناعم البارد ولا في سيارتك المكيَّفة. يبدو أن أصحاب هذه النظرية تعبوا منها فناموا على مكاتبهم! حتى أنا عندما أتعب كثيرا لا أنام. نجرب نظرية أخرى؟ لا أرغب بهذا. فالنوم ليس شيئا يمكن تنظيره بنظرية واحدة، فهو من الحالات الطبيعية التي تفسَّر ولا تُعلَّل، تُعزَّز ولا تُجلب، تُرصد ولا تُشترى بماء العين. والآن قل لي، هل تحب الزرافة أم الخفافيش؟ إن كنت تحب الزرافة فإنها تحتاج إلى نوم ساعتين فقط. ولك أن تتصور هذا الخفاش الساهر طوال الليل كيف لا يكتفي إلا باثنتين وعشرين ساعة. والإنسان؟ حسب الإنسان أن يعيش نهارا جميلا وستكفيه ساعة يغمض فيها عينيه.
ما معنى "نهار جميل"؟ أسألك لأنني أؤمن بأن جمال النهار ذو وجوه ويختلف حسب اختلاف ذواتنا (ويتبدل بتبدل شخصياتنا لو تذكر). البعض يرى أن وظيفته التي يحبها هي سر جمال نهاره، والبعض يجد هذا الجمال في ممارسة هواية يعشقها، ويلمس البعض نهارهم الجميل في لقاء أشخاص يودونهم ويستمتعون بحوارهم. أنا أعتقد أن نهاري الجميل هو أن أتحدث إلى أمثالك وأناقشهم (أمثالك لا تعني السخرية). وأنت؟ ما هو نهارك الجميل؟ إن كانت إجابتك "أن أعد كم نمت من الساعات وكم سأنام" فإن سؤالي عن "نهارك" لا عن "ليلك". وإن كانت "أتذمر من عملي، وأفكر كيف سأستعد لمهمة الأسبوع القادم" فأنا أسألك عن نهار اليوم وليس عن نهار الأسبوع القادم. هل رأيت كم أن نهارك غير جميل؟
هناك حقيقة تقول أن ثمة جينات لا تعمل إلا أثناء النوم، وتتوقف عن العمل أثناء اليقظة. وأن هذه الجينات تتعلق بالحالة الصحية العقلية، لذا فهي لا تعمل في حالات الاكتئاب. هل هذا خبر غير سار؟ في نظري، بل سار. لأن معنى هذا، أننا عندما ننتصر على الاكتئاب ستمطر علينا هذه الجينات من طمأنينتها وسكينتها. ولكن، لا نريد أن نكون تطوُّريين لهذه الدرجة.. لدرجة أن ندع تشارلز داروِن يخبرنا بأن أجدادنا قد عانوا طويلا لتعبُر جيناتهم الميمونة إلينا وتدعنا ننام.
استمتع بنهارك...

(1) Substance S - Substance of sleep ترجمتها بتصرف إلى مادة "ن" لتتناسب مع السياق.
(2) الجينات هي الوحدة الجزيئية للوراثة في الكائنات الحية. ونظرية التطور إلى الآن ما زالت تناضل عن دور الجينات الرئيس في وجودنا وحياتنا. 


0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.