21‏/07‏/2015

اكتئابولوجي (6)




اللهُ يظلمُك
الله لا يظلمُ أحدا. وما ربُّك بظلَّامٍ للعبيد. عليك أن تكون منطقيًّا لدقيقة من عمرك، لتصل إلى عدل الله. فقط دقيقة.
هل تشعر أنني سألقي عليك خطبة في عدل الله؟ أو أنني سأخوِّفك من عقاب الله للذين يتهمونه بالظلم؟ انسَ كل هذا. سأتحدث إلى عقلك هذه المرة. إن الله هو القوي، وهو خالق القوة. فهل من المعقول أن يحتاج إلى قوة خارجَ القوة التي خلقها هو ليفعل شيئا ما؟ دعنا نكن أكثر وضوحا. إن الظالم حين يظلم يكون ضعيفا، بمعنى أنه لا تكون لديه قوة غير قوة الظلم، فهل يصح أن يكون خالق القوة ضعيفا؟ هل صعَّبنا الأمر؟ إذن قل لي أنت من الذي يضطر إلى الظلم؟ إنه ذلك الذي يحتاج ما عندك ولا يجد سبيلا عادلا إليه. فهل الذي خلقك وخلق حاجتك يحتاج إليك؟
هل أدركت الآن سرَّ كلمة "عبيد" في هذه الآية؟ هل توصَّلت إلى رحمة كلمة "ربُّك" في مقام نفي الظلم عن جلالة الله؟
إن الله لا يحرِّمُ الأسئلة، أيًّا كانت. لذا تجده يقنعك بأبسط براهين العقل، ولا يكلفك الكثير من الوقت لتستنتج أن الله خالق كل شيء سيحتاج إليك، وستستعصي عليه، فيظلمك ليحصل على ما يريده منك.
ولكن، بعد هذا الذي سبق، كأني أسمع في داخلك أسئلة.. كأنك تسأل الآن وأنت تقرأ هذا السطر. تقول "فما تفسير وجود المرض والفقر والعاهة؟ ما تفسير وجود الغني والفقير؟ والأعمى والبصير؟". هل تعلم؟ لقد تعذَّبت طويلا بهذه التساؤلات. وأنا بهذا الاعتراف لا أؤكد لك أنني ارتحت وتوصلت إلى الحقيقة المطلقة. ولكنني فكَّرتُ كثيرا (كما تفكر أنت الآن كثيرا) ورأيت أن هذه الحالات وهذه الشرور القليلة مُقارنةً بالخير الأعم، توحي بأدلة دقيقة ينبغي أن ننصت إليها بدل أن نُسهب في النقد والتيه. ألا ترى أن القدرة الربَّانية تتجلى لنا حين نرى حالة من هذه الحالات (طفلا معاقا) فنعود إلى السماء، نسأل الله كثيرا عن الغاية من هذا، ثم نرتد إلى أنفسنا ونحن متأكدين من شيء واحد ليس غير، وهو أنه قادرٌ على كل شيء؟ وما يفيد علمي بأنه قادر على كل شيء من خلال مشاهدتي لأصناف العذابات الإنسانية التي لا يد للمتعذِّبين فيها؟ ألن أتوصل إلى معرفةٍ كهذه إلا من خلال هذا التشويه؟ فلتعلم أولا أن الله أرحم بهذا المتعذِّب منك. ولتعلم ثانيا أن معنى وجود هذا (دعنا نسميه الشذوذ) في القاعدة العامة (وهي الخير الأعم) فيه قبسٌ من الهدى، أي أنه ردٌّ على أيَّة فكرةٍ قد تخطر ببالك حين تنظر إلى ألوان الجمال والكمال في الصنع، حين تطيل النظر إلى زهرةٍ متفتحة للحياة، أو إلى وجهٍ عذبِ الملامح يحيطك بهالة من القدسية والخشوع، حين تتأمل الناس وليس فيهم مُعاقٌ أو مريض، وليس فيهم جائع أو شريد، عندما تعود إلى نفسك وقد أخذك الغرور إلى آفاقٍ شتَّى، لتظن أن الكمال الذي شاهدته وسمعته ولمسته هو كمالٌ آليٌّ لا تدبير فيه ولا مشيئة، كمالٌ ككمال العُلَبِ التي تخرج من آلات المصنع متساويةً لا فرق بين بينها. ألا يجذبك هذا إلى فكرة أن وراء هذه الاختلافات وهذه الحالات الكثيرة مُدبِّرًا لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم؟ ألا يحملك هذا على الاعتقاد بحكمة هذا المدبِّر الذي علم أن غرور عبيده سيخدعهم فيظنون أنهم نِتاج نظام طبيعي موحَّد لا تدبير من ورائه ولا مشيئة.
تأمَّل أيضًا كيف تشرق الشمس.. وكيف يبدو القمر في ليلة اكتماله. تأمل كثيرا، وستصل إلى ما وصلتُ إليه. أن الإيمان الكامل بوجود تدبير سيصير محالًا إذا كان كل شيء آليا لا يتبدَّل ولا يتحوَّل. فكسوف الشمس وخسوف القمر هي حجج الله على وجوده وتدبيره. وكذلك المرض والعاهة والفقر كلها حالات استثنائية تعيدُك إلى التساؤل عن العلة وراء هذا، تدفعك إلى التفكير، ثم تأخذ بعقلك ويديك إلى الهُدى الذي هو علة وجودها.
والآن، أغمض عينيك وتفكَّر في ما أعطاك الله. لا أجد حاجة إلى التنبؤ بأنه خطر ببالك أنك مميَّزٌ ومحظوظ. وأنك أحسن بكثير من غيرك.
لذا ما رأيك في أن نتحدث عن أعظم إنجازاتنا هذا اليوم؟ 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.