21‏/07‏/2015

اكتئابولوجي (7)



أنتَ لا تعني شيئًا
أنتَ لا تعني شيئا، حتى في مقاييسك الشخصية أنت بلا قيمة. أنت ناقص جدًّا ومنبوذ.
أنتَ أيضًا لا تسمع هذا الكلام إلا مني. لا أحد ممن حولك يجرؤ على أن يقسو عليك ويقلل من شأنك هكذا بلا سبب. فما سببي أنا؟ عليك أولا أن توسع صدرك وتفهم ما أقصد، إنني لا أوجه هذا الكلام إليك، بل أنقله عنك. أووه، كيف؟ أنت، هل تشعر بقيمتك؟ أقصد هل عندما تتكلم أو تعلِّقُ على شيءٍ، هل تمثِّلُ ذاتَك أم تمثل حالتك الشعورية؟ هل تعلم أن كثيرا من المشاهير الذين تشاهدهم عبر التلفاز أو على اليوتيوب يمثلون حالاتهم الشعورية؟ إنهم يتكلمون بأناقة ولباقة في لقاءٍ ودِّيٍّ ولطيف، بينما ينعكسون تماما عندما تسوء الأحوال وينعكس اللقاء. هم إذن يمثلون حالاتهم الشعورية (الهدوء، الضجيج). وأنت ما تمثِّل؟
الفارق بين إنسانين تربَّيَا تحت قمرٍ واحدٍ هو أن أحدهما يختلف عن الآخر، بقليلٍ أو كثير، في تمثيل ذاتِه وتمثيل حالاته الشعورية. إنهما، أي الإنسانين، محكومان بقوة الذات وقوة الشعور. فمتى فاقت الذاتُ الشعورَ بدا أحد هذين الإنسانين متَّزِنًا وربَّانيًا في سلوكه. فلا يغضب لسبب تافه ولا ينحاز إلى فئة لم يتفق معها. ومتى فاق الشعورُ الذاتَ بدا أحدهما ضعيفا ومتخلخلًا. يجمح مرةً بجموح شعوره، وينكص أخرى بنكوصه. فتعليقه على صوتٍ ما أو صورةٍ يختلف باختلاف حالته الشعورية. بينما تعليق الأول يبقى ثابتا بثبات ذاته (هل تأكدتَ الآن من الفرق؟).
فما تمثِّل أنت؟ إن كانت إجابتك (ذاتي) فلتسامحني لأنها الإجابة الخاطئة. وإن كانت (شعوري) فلتسامحني مرة ثانية! أنت لا تمثل شيئا. وهذا ما يفقدك قيمتك. هل تعلم أن الذي يمثل شعوره يشعر بالقيمة والمكانة كالذي يمثل ذاته؟ وإذا اختلفا في مقدار القيمة فهذا اختلاف طبيعي لتفاوُت الممثِّلِ والمُمَثَّل. لا تغضب، لقد اتفقنا على أن نكون صريحين. افتقارك إلى القيمة نتيجة منطقية لافتقارك إلى ما تمثله. أنت تنفعل وحسب. تستجيب لذاتك حينًا فتكون رائعا، ثم تستجيب لشعورك فتتذبذب بين الفرح والحزن.. بين الثبات والاستقرار. وهذا لأنك تكره ذاتك، كما صرَّحتُ لك من قبل. وأظن أنك حاولت التغيير، ولم تسمع بعدُ أحدهم يتهمك بالأنانية. كما أظن أنك اشتريت عطرك المفضَّل.
الحواجز اللاواعية التي تحجب عنك حقيقة كهذه (أنك تكره ذاتك) ستبدأ بالتفكك بمجرد أن تبدأ أنت بالاهتمام بنفسك. عندما تشتهي وجبة غداء (غير التي تتناولها كل يوم) ثم تقوم بشرائها، أنتَ لا تدفع خمسين ريالًا هباءً. أنت تعزز من قدرتك على تمثيل شيء. وعندما تقدِّمُ نفسك بإتقان وجمال، سواء في عملك أو في منزلك أو في أي مكان، أنت تسترِدُّ عافية إحساسك بمكانتك وقيمتك. ومرةً تلو المرة، ستعود قدرتك على تمثيل ذاتك أو شعورك بوعي وبإرادة. ومن هنا تصبح إنسانا آخر، مختلفا عن الإنسان الذي كنت أخاطبه في الصفحة الأولى.
الكثير من المشاكل يكمن حلُّها في الكثير من الأشياء. فلتكن لك تفضيلاتك وأماكنك وأصدقاؤك الذين يجددون صلتك بذاتك ومشاعرك. ويلهمونك الحلول المناسبة حتى بدون أن يتكلموا. فكثيرا ما نكتسب القدرة على معالجة مشاكلنا بعد لقاءٍ ممتع مع أشخاص مقرَّبين. ولهذا تفسيرات كثيرة، منها أن وجود هؤلاء الأشخاص يقرِّبنا من ذواتنا أكثر، فتزداد ثقتنا، ومن ثم تزداد إمكاناتنا بشكل مدهش. ومما يعيدنا إلى ذواتنا عودتُنا إلى تفاصيلنا الخاصة والمحببة. قراءة رسائلنا العتيقة، مشاهدة أفلامنا الأقرب إلى نفوسنا، زيارة أماكننا التي عشنا فيها زمنا حلوًا، استرجاع اللحظات العطِرة مع حبيب، مشاركة أحدهم فرحته (وحتى حزنه). هذه التفاصيل الخاصة تحملنا إلى ذواتنا.. تمنحنا دفء الذاكرة.. ترجع إلينا ابتساماتنا الأصدق، وضحكاتنا العالية. 


0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.